الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فمسألة الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بسبب المطر، من مسائل الخلاف بين العلماء، بين مجيز ومانع. والمجيزون لهم تفصيلات وشروط يشترطها بعضهم دون بعض، وقد رجحنا في عدة فتاوى سابقة جواز الجمع لعذر المطر الذي يبل الثياب بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم فقط.
والذي يمكننا قوله هنا أن مجرد كون الجو غائما من غير نزول للمطر لا يعتبر عذرا شرعيا يبيح الجمع لأجل المطر, ومن أجاز الجمع من الفقهاء لأجل المطر – وهم الحنابلة، والشافعية – إنما أجازوه بشروط, منها: وجود المطر عند افتتاح الأولى, فإذا لم يوجد فلا جمع .
ومنهم من يشترط وجوده أيضا عند افتتاح الثانية, وقد سبق أن فصلنا في شروط صحة جمع الصلاة للمطر في الفتوى رقم: 178125 وذكرنا أن من شروط صحته أن يكون العذر – وهو نزول المطر – موجودا عند افتتاح الصلاة الثانية.
قال الرحيباني الحنبلي في مطالب أولي النهى: فلو أحرم بأولى ناويا الجمع لمطر فانقطع المطر ولم يعد؛ فإن حصل وحل؛ صح الجمع؛ لأنه نشأ عن المطر وهو من الأعذار المبيحة أشبه ما لو لم ينقطع المطر, وإلا , أي: وإن لم يحصل وحل بطل الجمع . اهــ.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- في مجموع فتاواه: وهنا سؤالان:
الأول: إذا كانت السماء غائمة ولم يكن مطر ولا وحل، ولكن المطر متوقع فهل يجوز الجمع؟
الجواب: أنه لا يجوز الجمع في هذه الحال؛ لأن المتوقع غير واقع, وكم من حال يتوقع الناس فيها المطر لكثافة السحاب ثم يتفرق ولا يمطر .
الثاني: إذا كان مطر ولكن شكنا هل هو مطر يبيح الجمع أو لا؟
والجواب: أنه لا يجوز الجمع في هذه الحال؛ لأن الأصل وجوب فعل الصلاة في وقتها فلا يعدل عن الأصل إلا بيقين العذر؟ .... اهـ.
وذهب المالكية إلى جواز الجمع ولو كان المطر متوقعا لا واقعا.
وقال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير: قَوْلُهُ: ( أَوْ مُتَوَقَّعٌ ) قُلْت: الْمَطَرُ إنَّمَا يُبِيحُ الْجَمْعَ إذَا كَثُرَ، وَالْمُتَوَقَّعُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ. قُلْت: يُمْكِنُ عَلِمَ أَنَّهُ كَذَلِكَ بِالْقَرِينَةِ، ثُمَّ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ يَحْصُلْ الْمَطَرُ فَيَنْبَغِي إعَادَةُ الثَّانِيَةِ فِي الْوَقْتِ ... اهـ.
وعلى هذا؛ فإذا جمع أهل المسجد عندكم لعذر المطر لمجرد وجود غيم من غير أن ينزل المطر عند افتتاح الأولى، وكنت ترى بالقول الأول فلا تجمع معهم، ولك أن تصليها معهم بنية النافلة، وإذا أرادوا أن يجمعوا لأجل برد وريح شديدة معا فلا حرج في ذلك في المفتى به عندنا، لا إن كان الحال على ما وصفته من أن البرد ليس بتلك الشدة، والهواء ليس بتلك الشدة. وانظر الفتوى رقم: 133399, والفتوى رقم: 144835.
وإذا أرادوا أن يجمعوا لأجل الوحل - وهو الطين - فنرجو أن لا حرج عليهم, ومذهب الحنابلة جواز الجمع لأجل الوحل.
قال المرداوي في الإنصاف: وَهَلْ يَجُوزُ لِأَجْلِ الْوَحْلِ؟ على وَجْهَيْنِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ .... أَحَدُهُمَا يَجُوزُ وهو الْمَذْهَبُ. قال الْقَاضِي: قال أَصْحَابُنَا: الْوَحْلُ عُذْرٌ يُبِيحُ الْجَمْعَ. قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هذا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قال ابن رَزِينٍ: هذا أَظْهَرُ وَأَقْيَسُ وَصَحَّحَهُ ابن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي .... اهــ
وأما ما ذكرته من السيول في الطرقات، والتي وصفتها بأنها ليست بالشديدة جدا لكن قد تؤثر على الذي لم يتقها, نقول فيه: إننا لم نقف على كلام للفقهاء في خصوص الجمع لأجل السيل، ونرى أنها أولى من الوحل إذا وجد حرج أو مشقة في تجاوزها، وعموم حديث ابن عباس في الجمع لرفع الحرج يدل على جواز الجمع عندها.
قال الشيخ ابن عثيمين عن الجمع في المطر: والراجح أنه جائز لهذه الأسباب وغيرها بين الظهرين والعشائين عند وجود المشقة بترك الجمع، كما يفيده حديث ابن عباس رضي الله عنه ... اهــ.
وما ذكرته من أنك لم تنو الجمع في صلاة الظهر لما رأيت أحد المصلين دخل مبتلا بمطر خفيف. جوابه أن المطر الذي يبل الثياب عذر يبح الجمع، والمطر الذي لا يبل الثياب لا يبيح الجمع.
قال ابن قدامة في المغني: فَصْلٌ: وَالْمَطَرُ الْمُبِيحُ لِلْجَمْعِ هُوَ مَا يَبُلُّ الثِّيَابَ، وَتَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ بِالْخُرُوجِ فِيهِ, وَأَمَّا الطَّلُّ وَالْمَطَرُ الْخَفِيفُ الَّذِي لَا يَبُلُّ الثِّيَابَ، فَلَا يُبِيحُ، وَالثَّلْجُ كَالْمَطَرِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَكَذَلِكَ الْبَرَدُ ... اهـ.
فما دمت رأيت الشخص مبتل الثياب، فقد كان الأولى بك أن تجمع معهم، ونرجو أن لا حرج عليك في ترك الجمع؛ لأن الجمع رخصة وليس عزيمة.
وانظر المزيد في الفتوى رقم: 144835عن مذاهب العلماء في جمع الصلوات لأجل البرد, والفتوى رقم: 133399عن الجمع بين المغرب والعشاء لأجل المطر.
والله تعالى أعلم