السؤال
لدي سؤال، أقصد أنني دخت في مسألة ما.
هل النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها وهي قاصر أم بالغة؟
فإن كانت بالغة، فقد روت لنا حديثا أنها كانت تلعب بالدمى، فلم يمنعها النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت إن حادثة الدمى حدثت إما في غزوة خيبر -وعمرها 14 آنذاك- أم تبوك -وعمرها 16-
فالسؤال الآن: لماذا يقول الشيوخ -قياسا على هذا الحديث- أن لعب الدمى، أو مشاهدة الكرتون، تكون للأطفال الصغار فقط، ومنهم من خصصها للبنات الصغيرات فقط، بينما كانت هي بالغة وليست صغيرة، ومع ذلك تركها النبي صلى الله عليه وسلم تلعب بالدمى؟
وهل يطلق على عمر المراهقة سواء 14 أو 16 اسم طفلة صغيرة، خصوصا في عهدهم ؟
أما إن لم تكن بالغة. فهل النبي صلى الله عليه وسلم تزوج قاصرا لم تبلغ ؟
أرجوكم ساعدوني، فأنا في أمس الحاجة للإجابة الآن.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة عائشة بعد أن بلغت مبلغ النساء في تحمل أعباء الزواج، وكانت حينذاك بنت تسع سنين، وقد روت هي رضي الله عنها قصة ذلك فقالت: أتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي، فصرخت بي فأتيتها لا أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي، ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن: على الخير والبركة وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى فأسلمتني إليه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين. رواه البخاري ومسلم.
وهذا يدل على صغرها وأنها لم تبلغ الحلم؛ فقد كانت تلعب في أرجوحة لها مع صواحبها في اليوم الذي بُني عليها فيه، ومع ذلك فقد كانت بلغت مبلغ النساء من حيث صلاحها للزواج وتوابعه في هذه السن، ولذلك قالت رضي الله عنها: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة. ذكره الترمذي في سننه. وهذا ليس معناه أنها قد بلغت المحيض وصارت مكلفة، وإنما معناه صلاحها للزواج في الغالب، فيكون لها حكم المرأة في هذه الأمور وما يتصل بها.
قال ابن قدامة في (المغني): المراد به حكمها حكم المرأة. اهـ.
وقال المباركفوري في (تحفة الأحوذي): كأن عائشة أرادت أن الجارية إذا بلغت تسع سنين فهي في حكم المرأة البالغة؛ لأنه يحصل لها حينئذ ما يعرف به نفعها وضررها من الشعور والتمييز. اهـ.
وقال الشيخ الدكتور عبد الكريم الخضير في (شرح الموطأ): المرأة في عرفهم لا يقتصر على المكلفة، بل إذا بلغت البنت تسعاً فهي امرأة. اهـ.
ولذلك فإن أهل العلم يستدلون بزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة، ودخوله بها في هذه السن، على مسألة نكاح الصغيرة.
قال المرداوي في (الإنصاف): البكر التي لها تسع سنين فأزيد، إلى ما قبل البلوغ: له تزويجها بغير إذنها، على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. اهـ.
وراجع في تفصيل ذلك الفتوى رقم: 195133. وتجد فيها جواب سؤالك: "هل النبي صلى الله عليه وسلم تزوج قاصرة لم تبلغ؟".
وقد ظلت السيدة عائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم مدة قد تصل لخمس سنين وهي غير بالغة، ففي الصحيحين عن عائشة قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه، فيسربهن إلي فيلعبن معي.
قال العيني في (عمدة القاري): مطابقته للترجمة من حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينبسط إلى عائشة، حيث يرضى بلعبها بالبنات، ويرسل إليها صواحبها حتى يلعبن معها، وكانت عائشة حينئذ غير بالغة، فلذلك رخص لها. والكراهة فيها قائمة للبوالغ. اهـ.
وقد بقيت على هذه الحال إلى غزوة خيبر على الراجح.
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح): أخرج أبو داود، والنسائي من وجه آخر عن عائشة قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر، فذكر الحديث في هتكه الستر الذي نصبته على بابها قالت: فكشف ناحية الستر على بنات لعائشة لعب، فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي... ـ فذكر الحديث. وقال : ـ فهذا صريح في أن المراد باللعب غير الآدميات، قال الخطابي: .. إنما أرخص لعائشة فيها لأنها إذ ذاك كانت غير بالغ. انتهى. قلت: وفي الجزم به نظر لكنه محتمل؛ لأن عائشة كانت في غزوة خيبر بنت أربع عشرة سنة، إما أكملتها أو جاوزتها أو قاربتها، وأما في غزوة تبوك فكانت قد بلغت قطعا، فيترجح رواية من قال: "في خيبر" ويجمع بما قال الخطابي؛ لأن ذلك أولى من التعارض. اهـ.
وهذا الترجيح فيه جواب للسائل، فلم تكن السيدة عائشة قد بلغت آنذاك.
قال البيهقي في (السنن الكبرى): كانت صغيرة في الوقت الذي زفت فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعها اللعب ... وليس في شيء من الروايات أنها كانت بلغت مبلغ النساء بغير السن في وقت زفافها, فيحتمل إن كان انشغالها بلعبها وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم إياها على ذلك إلى وقت بلوغها, والله أعلم. وعلى هذا حمله أبو عبيد فقال: وليس وجه ذلك عندنا إلا من أجل أنها لهو للصبيان, فلو كان للكبار لكان مكروها. اهـ.
ولذلك بوَّب عليه ابن حبان في صحيحه فقال: باب "ذكر جواز لعب المرأة إذا كان لها زوج وهي غير مدركة باللعب". وبوب على حديث غزوة خيبر فقال: باب "ذكر الإباحة لصغار النساء اللعب باللعب، وإن كان لها صور". وبوب أبو نعيم على حديث لعب عائشة بالبنات في مستخرجه على صحيح مسلم. باب: "تزويج الصغار". وكذلك فعل البغوي في (شرح السنة).
وقد سبق لنا بيان أن استثناء اتخاذ الصور المجسمة من التحريم إنما هو للبنات في الصغر خاصة؛ وراجع في ذلك الفتويين: 167825،167825.
والله أعلم.