السؤال
لدي أستاذ يعلمني تاريخ الإسلام ويقول عن نفسه مسلم سني: كثيرا ما يعلق على أفعال النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ لا تناسبه صلى الله عليه وسلم كأن يقول عنه ـ أستغفر الله ـ أنه لم يف بوعده في إحدى البيعات، أو أنه تزوج السيدة خديجة لمصلحة، أو أن خروجه من قريش والتجاء المهاجرين للحبشة يعد خيانه منه، وحاشاه من ذلك، وأن الدين الإسلامي غير متساهل، بل أهل البدع متساهلون أكثر فتوجهت لنائب المدير فقال لي سأتحدث معه، فماذا أفعل إذا استمر في أسلوبه؟ مع العلم أنه للأسف الشديد هو مركز التخصص ولا يوجد غيره حالياً!.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا شك في أن وصف النبي صلى الله عليه وسلم بما قاله أستاذكم ـ قطع الله لسانه ـ يعتبر كفرا أكبر مخرجا من الملة، جاء في الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى تَكْفِيرِ مَنْ سَبَّ نَبِيًّا مِنَ الأْنْبِيَاءِ، أَوِ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ، أَوْ تَنَقَّصَهُ، أَوْ نَسَبَ إِلَيْهِ مَا لاَ يَجُوزُ عَلَيْهِ، كَعَدَمِ الصِّدْقِ وَالتَّبْلِيغِ، وَالسَّابُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ يَأْخُذُ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ فَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِل، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يُقْتَل حَدًّا وَإِنْ تَابَ، وَلاَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ. اهـ .
وجاء فيها أيضا: كُل مَنْ سَبَّ نَبِيًّا مِنَ الأْنْبِيَاءِ، أَوْ عَابَهُ، أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا فِي نَفْسِهِ، أَوْ نَسَبِهِ أَوْ دِينِهِ، أَوْ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِهِ أَوْ عَرَّضَ بِهِ، أَوْ شَبَّهَهُ بِشَيْءٍ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ لَهُ، أَوِ الإْزْرَاءِ بِهِ، أَوِ التَّصْغِيرِ لِشَأْنِهِ، أَوِ الْغَضِّ مِنْهُ، أَوِ الْعَيْبِ لَهُ، فَهُوَ كَافِرٌ وَكَذَلِكَ مَنْ لَعَنَهُ، أَوْ دَعَا عَلَيْهِ، أَوْ تَمَنَّى مَضَرَّةً لَهُ، أَوْ نَسَبَ إِلَيْهِ مَا لاَ يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ، أَوْ عَبِثَ فِي جِهَتِهِ الْعَزِيزَةِ بِسُخْفٍ مِنَ الْكَلاَمِ وَهَجْرٍ، وَمُنْكَرٍ مِنَ الْقَوْل وَزُورٍ، أَوْ عَيَّرَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا جَرَى مِنَ الْبَلاَءِ وَالْمِحْنَةِ عَلَيْهِ، أَوْ غَمَصَهُ بِبَعْضِ الْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ الْجَائِزَةِ وَالْمَعْهُودَةِ لَدَيْهِ. اهــ.
والواجب نصح ذلك الشخص وإقامة الحجة عليه، فإن أصر على قوله ولم يتب فهو كافر، ويجب رفع أمره إلى إدارة المدرسة أو الجامعة عندكم، وإخبارهم بأنه يسيء لمشاعر المسلمين بتنقص النبي صلى الله عليه وسلم حتى يمنعوه من معاودة كفره في الدرس, ويجب على من حضر درسه وسمعه يتقيأ بمثل ذلك الكلام أن يقوم بالرد عليه فورا ويذب عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لم يتمكن من الرد عليه وجب مفارقة المكان، لقول الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا { سورة النساء: 140}.
قال القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسير هذه الآية: فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضِي فعلهم، والرّضا بالكفر كفر، قال الله عزّ وجلّ: إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ ـ فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكِر عليهم يكون معهم في الوِزر سواء، وينبغي أن ينكِر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعمِلوا بها، فإن لم يقدر على النكِير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية. اهــ.
واعلمي ـ أيتها الأخت السائلة ـ أن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ـ بآبائنا هو وأمهاتنا ـ ممن سبه وآذاه أو تنقصه واجب شرعي، فقد قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا {الفتح: 8 ـ 9 }.
والتعزير: النصر والتأييد، والتوقير: التعظيم, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: التعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار, ومن لم ينصر النبي صلى الله عليه وسلم ويذب عنه فهو الخاسر، وقد قال تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ـ والمعنى إلا تنصروا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، فاللّه غني عنكم، لا تضرونه شيئا، فقد نصره في أقل ما يكون: إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ـ من مكة لما هموا بقتله, وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: مَنْ حَمَى مُؤْمِنًا مِنْ مُنَافِقٍ أُرَاهُ قَالَ بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا يَحْمِي لَحْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ـ وقال: مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وقال: مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ بِالْغِيبَةِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعْتِقَهُ مِنْ النَّارِ ـ فكيف بمن ذب عن عرض سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وحمى عرضه الشريف من أن تلغ فيه ألسنة المنافقين والزنادقة.
فيجب عليك أيتها السائلة وعلى من سمع ذلك المدرس أن تدافعوا عن النبي صلى الله عليه وسلم وتنصروه وتذبوا عنه وقولوا ما قاله حسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ لمن تعرض للنبي صلى الله عليه وسلم:
هَجَوْتَ محمَّدًا فأجَبْتُ عَنْهُ وعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ
فإنَّ أَبي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي لِعِرْضِ محمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ.
والله أعلم.