السؤال
يدور نقاش بين الفينة والأخرى عندنا في غزة حول التدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية، فهناك من يرى أن التدرج ما هو إلا تجزيء لدين الله، وأنه رضا بالكفر من أجل مظنة تطبيق الشرع، وأن الدين تدرج في التشريع، لكن بعد اكتمال التشريع فلا يمكن أن يتم التدرج في التطبيق، في المقابل هناك من يرى أن المجتمع الذي عاش في جاهلية في كافة مناحي حياته لا يمكن نقله مرة واحدة إلى الدولة الإسلامية، كما أن الخوف من القضاء على المشروع برمته سواء من الأعداء الخارجيين أو حتى من الداخل يعزز قولهم بالتدرج، والسؤال: ما حكم التدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية مع الدليل الواضح في المسألة؟ وإذا رأيتم جواز ذلك، فهل هناك من ضوابط لهذا التدرج؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل هو وجوب العمل بجميع أحكام الشريعة وعدم تعطيل شيء منها، فإن الله تعالى قد أكمل لعباده الدين كما قال تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا {المائدة:3}.
ولكن إذا كان في تطبيق بعض أحكام الشرع مفسدة تربو على مصلحة تطبيقه ترك تطبيقه لحين القدرة على ذلك بغير مفسدة راجحة، والقاعدة التي تحل النزاع في هذا الأمر أن ما قدر على تنفيذه من غير مفسدة راجحة وجب تنفيذه وإلا فلا، والنظر في المفاسد وتقديرها مرده إلى أهل الحل والعقد من الولاة والعلماء، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: خاطب الله المؤمنين بالحدود والحقوق خطابا مطلقا كقوله: والسارق والسارقة فاقطعوا ـ وقوله: الزانية والزاني فاجلدوا ـ وقوله: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ـ وكذلك قوله: ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ـ لكن قد علم أن المخاطب بالفعل لا بد أن يكون قادرا عليه والعاجزون لا يجب عليهم وقد علم أن هذا فرض على الكفاية وهو مثل الجهاد، بل هو نوع من الجهاد ـ إلى أن قال ـ رحمه الله: والأصل أن هذه الواجبات تقام على أحسن الوجوه، فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين، ومتى لم يقم إلا بعدد ومن غير سلطان أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها، فإنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن كان في ذلك من فساد ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها لم يدفع فساد بأفسد منه. انتهى.
والله أعلم.