السؤال
دعا أحد الإخوة بالدعاء التالي: اللهم لا تجعلنا ممن يدعو إليك بالأبدان ويهرب منك بالقلوب، يا أكرم الأشياء علينا لا تجعلنا أهون الأشياء عليك ـ فعلق أحدهم: يجب علينا أن ندعو الله بأسمائه وصفاته الواردة في القرآن الكريم والسنة الشريفة فقط، ولا يجوز شرعا أن ننادي الله بيا أكرم الأشياء، لأن هذا التعبير يعني أن الله من الأشياء ولكنه أكرمها ـ حاشا لله ـ وهو القائل: ليس كمثله شيء ـ سورة الشورى: 11.
فالأشياء كلها مخلوقة، والله تعالى ليس بمخلوق، لأنه الخالق، والخالق يستحيل أن يكون مخلوقاً، فقلت: فعلاً يجب الأدب في الدعاء، ولكن للتوضيح فقط يجوز إطلاق الشيء على الله تعالى كما في القرآن الكريم: قل أي شيء أكبر شهادة قل الله ـ ويقول العلماء الله شيء، لكنه ليس كالأشياء، فعارضني معارضة شديدة وقال إن قوله تعالى: قل أي شيء أكبر شهادة ـ هذه جملة، وقوله: قل الله ـ هذه جملة أخرى، وقال: من أي أنواع الحمير أولئك العلماء الذين يقولون: الله شيء، لكنه ليس كالأشياء ـ وأي حمار قال إن كلمة شيء في الجملة الأولى تتضمن كلمة الذات الأقدس ـ الله ـ في الجملة الثانية، أو تشير إليها؟ فاستدللت بقول البخاري في هذا الشأن وجواز إطلاق الشيء على الله تعالى وقول الإمام ابن حيان في الجمع بين إطلاق الشيء على الله في قوله: قل أي شيء أكبر شهادة أي تعالى وبين قوله: الله خالق كل شيء ـ بقوله إنهُ تعالى شيء ولكن لا يشكلُ على ذلك أنَّ مخلوقاته كلها أشيـاء، إذ لا يلزمُ من الاشتراك في الصفة مماثلةُ المشتركَـيْـن، كما أنهُ موجودٌ ومخلوقاته موجودة، فهو شيء، ولكـن ليس كمثله شيء، وبينت أنه يجوز إطلاق الشيء على الله تعالى أي الإخبار، فادعى أني لا أفهم النصوص، وعرفت له المقصود بالشيء، لأنه يقول كلمة: شيء ـ من معطيات الحقائق العلمية واللغوية أن كل شيء له جرم، وكل جرم له كثافة، وكل كثافة إما أن تكون ظرفاً، أو مظروفاً، والظرف نوعان:
1ـ ظرف زمان. 2ـ وظرف مكان، ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن الزمان مخلوق والمكان مخلوق، يعنى الظرف والمظروف مخلوقان لله زماناً ومكاناً: وله ما سكن في الليل والنهار، قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله ـ وكل مخلوق له بداية وله نهاية، فأي شيء سواء كان ظرفاً، أو مظروفاً مخلوق بعد عدم، وصفات الله أزلية بلا بداية ولا نهاية، إذا كلمة: شيء يستحيل بداهة أن تكون صفة لله، رغم أنف أبي جهل، وقال إن حديث: لا شيء أغير من الله عز وجل ـ الذي استدللت به ليس فيه أي دلالة لا قريبة ولا بعيدة على أن كلمة: شيء من صفات الله ـ حاشا لله ـ وما أوردته، نقلاً عن التحرير والتنوير ليس فيه أي دلالة على أن شيء من صفات الله تعالى ـ حاشا لله ـ وقال: الدين ثلاث كلمات: عقائد، وأحكام، وكلام ـ كلام الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعقائدنا وأحكامنا من كتاب ربنا وسنة نبينا.
ولا وجه للاستدلال أبداً أن كلمة شيء صفة من صفات الله ـ حاشا لله ـ ورماني بالجهل، فبينت له أن الشيء يطلق على الله تعالى من باب الإخبار، فأسماء الله وصفاته توقيفية، وبينت له أني لم أفت، بل نقلت رأي العلماء في هذا الشأن، وذكرت جميع الروابط، ومنها الكثير من موقعكم الكريم، وعاتبته على هذا السب، واتفقنا أن نعرض الأمر على لجنة فتوى.
الرجاء الإفادة والتوضيح بالتفصيل في هذا الموضوع، لأنني تعرضت للسب والاتهام بالجهل جراء رأيي هذا، فهل يجوز إطلاق الشيء على الله تعالى أي إخباراً عنه بالشيء، أي القول الله تعالى شيء، لكنه ليس كالأشياء: ليس كمثله شيء؟ وهل صحيح أن كل شيء مخلوق وله كثافة كما يقول؟ وما التوجيه في قوله: قل أي شيء أكبر شهادة؟ وكيف الجمع بين هذا وقوله تعالى: الله خالق كل شيء؟ وهل يجوز وصف الله تعالى بالشيء؟ ودعاؤه: باللهم يا أكرم الأشياء؟ وهل الله تعالى ضمن الأشياء ويكون أكرمها؟
عذراً عن الإطالة، وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رغب في ترك الجدال فقال: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
ويتأكد ترك الجدل لمن لم يكن واسع الاطلاع، وليس عنده ما يجادل به من العلم المبني على الكتاب والسنة في الأمور المتعلقة بالله تعالى، ولا شك أيضاً في أهمية الاعتناء بالألفاظ المأثورة في الدعاء، فهي أفضل من غيرها، ولكن الدعاء يجوز بغير المأثور إذا لم يكن فيه محظور شرعي، ويدل لذلك تلبية الصحابة بألفاظ غير تلبية النبي صلى الله عليه وسلم، فكان منهم من يقول لبيك ذا المعارج ولم ينكره عليهم.
وأما عن التحقيق في هذه المسألة: فإن الشيء يساوي الموجود لغة وعرفاً كما قال ابن حجر في الفتح، وقد بوب البخاري على هذه المسألة فقال: باب: قل أي شيء أكبر شهادة قل الله ـ فسمى الله تعالى نفسه شيئاً.
قال ابن حجر في الفتح: وذكر قوله: قل أي شيء أكبر شهادة ـ وحديث سهل بن سعد بعد أثري أبي العالية ومجاهد في تفسير استوى على العرش: ووقع عند الأصيلي وكريمه: قل أي شيء أكبر شهادة ـ سمى الله نفسه شيئا قل الله، والأول أولى وتوجيه الترجمة أن لفظ أي إذا جاءت استفهامية اقتضى الظاهر أن يكون سمي باسم ما أضيف إليه فعلى هذا يصح أن يسمى الله شيئا وتكون الجلالة خبر مبتدأ محذوف أي ذلك الشيء هو الله ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير الله أكبر شهادة والله أعلم، قوله: وسمى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن شيئا وهو صفة من صفات الله ـ يشير إلى الحديث الذي أورده من حديث سهل بن سعد وفيه أمعك من القرآن شيء وهو مختصر من حديث طويل في قصة الواهبة تقدم بطوله مشروحا في كتاب النكاح وتوجيهه أن بعض القرآن قرآن، وقد سماه الله شيئا، والشيء يساوي الموجود لغة وعرفا، وأما قولهم فلان ليس بشيء فهو على طريق المبالغة في الذم فلذلك وصفه بصفة المعدوم، وأشار ابن بطال إلى أن البخاري انتزع هذه الترجمة من كلام عبد العزيز بن يحيى المكي فإنه قال في كتاب الحيدة سمى الله تعالى نفسه شيئا إثباتا لوجوده ونفيا للعدم عنه وكذا أجرى على كلامه ما أجراه على نفسه ولم يجعل لفظ شيء من أسمائه، بل دل على نفسه أنه شيء تكذيبا للدهرية ومنكري الإلهية من الأمم وسبق في علمه أنه سيكون من يلحد في أسمائه ويلبس على خلقه ويدخل كلامه في الأشياء المخلوقة فقال ليس كمثله شيء فأخرج نفسه وكلامه من الأشياء المخلوقة ثم وصف كلامه بما وصف به نفسه فقال وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما انزل الله على بشر من شيء ـ وقال تعالى: أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ـ فدل على كلامه بما دل على نفسه ليعلم أن كلامه صفة من صفات ذاته فكل صفة تسمى شيئاً بمعنى أنها موجودة، وحكى ابن بطال أيضا أن في هذه الآيات والآثار ردا على من زعم أنه لا يجوز أن يطلق على الله شيء كما صرح به عبد الله الناشئ المتكلم وغيره، وردا على من زعم أن المعدوم شيء وقد أطبق العقلاء على أن لفظ شيء يقتضي إثبات موجود وعلى أن لفظ لا شيء يقتضي نفي موجود إلا ما تقدم من إطلاقهم ليس بشيء في الذم فإنه بطريق المجاز. اهـ.
وقال العلامة عبد الله الغنيمان في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري: باب قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ ـ فسمى الله تعالى نفسه شيئاً، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن شيئاً، وهو صفة من صفات الله وقال: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ـ يريد بهذا أن يطلق على الله تعالى أنه شيء، وكذلك صفاته، وليس معنى ذلك أن الشيء من أسماء الله الحسنى، ولكن يخبر عنه تعالى بأنه شيء، وكذا يخبر عن صفاته بأنها شيء، لأن كل موجود يصح أن يقال: إنه شيء، قال الحافظ: الشيء يساوي الموجود، لغةً، وعرفاً، وأما قولهم: فلان ليس بشيء فهو على طريق المبالغة في الذم، فلذلك وصف بصفة العدم. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ويفرق بين دعائه والإخبار عنه، فلا يدعى إلاَّ بالأسماء الحسنى، وأما الإخبار عنه، فلا يكون باسم سيئ، لكن قد يكون باسم حسن، أو باسم ليس بسيئ، وإن لم يحكم بحسنه، مثل اسم شيء، وذات، وموجود.
وقال ابن القيم في بدائع الفوائد: ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفيَّاً، كالقديم، والشيء، والموجود.
وفي شرح العقيدة الطحاوية للدكتور سفر الحوالي: إن كلمة: شيء ـ هي أعم كلمة، لأنها تشتمل أدق وأدنى ما يسمى، أو ما يرى، أو ما يكون في حيز الوجود وكذلك أعظم ما في الوجود يسمى شيء، كما في قوله تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ {الأنعام:19} فكلمة: شيء ـ عامة تطلق عَلَى الكبير والصغير، فإذا قلنا: أي شيء، فهم منه أن الكلمة هي أعم الكلمات، فالله تعالى يطلق عليه شيء. اهـ.
وأما عن الاحتجاج بقوله تعالى: الله خالق كل شيء ـ فقد أجاب عنه الأصوليون بأن هذا من التخصيص بالعقل كما قال المرداوي: من المخصصات المنفصلة العقل ضروريا كان أم نظريا، فالضروري كقوله تعالى: الله خالق كل شيء {الرعد: 16} فإن العقل قاض بالضرورة أنه لم يخلق نفسه الكريمة، ولا صفاته.
وقال العطار في حاشيته على جمع الجوامع: يجوز التخصيص بالحس كما في قوله تعالى في الريح المرسلة على عاد: تدمر كل شيء ـ أي تهلكه، فإنا ندرك بالحس أي المشاهدة ما لا تدمير فيه كالسماء والعقل كما في قوله تعالى: الله خالق كل شيء ـ فإنا ندرك بالعقل ضرورة أنه تعالى ليس خالقا لنفسه.
والله أعلم.