السؤال
ذات مـــرة وأنا أصلـي و في التشهـد الأخيـر قلت كــلاما في نفسي فيه قلة أدب مـع الله سبحانه وتعالى وقلته في نفسي متعمـدا وليست وسوسـة،كنـت أريد أن أقــول شيئا مختلــفا: يعنـي خطـأ في التعبير داخل النفــس ولست متـأكـدا هـل هـو خطــأ في التعبير؟ أم قلتها عمـدا، أو تسرعا؟ فهــل علي شيء؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن من تكلم بما هو ردة دون قصد، بل على سبيل الغلط لا يحكم بردته، لأن الردة التي يكفر بها المسلم هي شرح صدر الإنسان للكفر، ويدل لذلك قول الله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النحل:106}.
فما كان مجرد سبق لسان، أو غلطاً فلا يضر ـ إن شاء الله تعالى ـ فقد قال صلى الله عليه وسلم: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه بن ماجه والحاكم.
وفي الصحيحين وغيرهما واللفظ لمسلم، عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: لا بد في العقود وغيرها من قصد التكلم وإرادته، فلو فرض أن الكلمة صدرت من نائم، أو ذاهل، أو قصد كلمة فجرى على لسانه بأخرى، أو سبق بها لسانه من غير قصد لها، لم يترتب على مثل هذا حكم في نفس الأمر قط. انتهـى.
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان: قاعدة الشريعة أن العوارض النفسية لها تأثير في القول إهدارا واعتبارا وإعمالا وإلغاء، وهذا كعارض النسيان والخطأ والإكراه والسكر والجنون والخوف والحزن والغفلة والذهول ولهذا يحتمل من الواحد من هؤلاء من القول ما لا يحتمل من غيره، ويعذر بما لا يعذر به غيره، لعدم تجرد القصد والإرادة ووجود الحامل على القول وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الغضب مانعا من تكفير من قال له ولأصحابه: هل أنتم إلا عبيد لأبي، وجعل الله سبحانه الغضب مانعا من إجابة الداعي على نفسه وأهله، وجعل سبحانه الإكراه مانعا من كفر المتكلم بكلمة الكفر، وجعل الخطأ والنسيان مانعا من المؤاخذة بالقول والفعل. انتهـى.
وأما كونك لست متأكدا من قولك لها عمدا، أو تسرعا فهذا دليل على وسوستك وعدم جزمك بشيء فيما حصل وما دام الاحتمال موجودا فلا شيء عليك، وعليك بالاعراض عن التفكير في الأمر وعدم الاسترسال في الوساوس فقد ذكر أهل العلم أيضا أن من تكلم بكلام يحتمل الردة وغيرها لا يكفر بذلك، كما قال علي القاري في شرح الشفا: قال علماؤنا، إذا وجد تسعة وتسعون وجها تشير إلى تكفير مسلم ووجه واحد إلى إبقائه على إسلامه فينبغي للمفتى والقاضي أن يعملا بذلك الوجه، وهو مستفاد من قوله عليه السلام: ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله، فإن الأمام لأن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة. رواه الترمذي والحاكم. اهـ.
والله أعلم.