السؤال
أنا مصاب بشلل الأطفال، وحاليا على المعاش، ومعي أربعة أبناء أكبرهم عمرها 13 سنة.
أفلا أدخل في قول الله في سورة النور: أن ليس على الأعمى حرج ولا على المريض حرج و لا على الأعرج حرج أن يأكل مما ملك مفاتحه.
فإني أقوم بطباعة كتب أحصل عليها من النت على اعتبار أني أملك مفاتح هذه الوسيلة في أن يكون لي منها مصدر دخل لي ( علما بأنني أبيع هذه الكتب بتكلفتها بالإضافة إلى مبلغ مقابل مجهودي فقط، كما أنني لا أملك الاتصال بأصحاب الحقوق لأن أرقام تليفوناتهم تتغير، كما أنني من مصر وأغلب أصحاب الحقوق خارج مصر.
فهل يجوز لي نسخ هذه الكتب متأولا كلام الله سبحانه وتعالى أنه ليس على الأعرج حرج أن يأكل مما ملك مفاتحه.
علما بأن ما أطبعه غالبا ما يكون لعلماء المسلمين الكبار مثل ابن تيمية وابن القيم وابن الجوزي وغيرهم من العلماء، والقليل من أعمال لعلماء الإسلام الأحياء.
كما أني أحب أن أوضح لفضيلتكم أن مكاتب الكمبيوتر تطبع الورقة من الوجهين بــ 2 جنيه مصري، بينما أنا أحتسب ثمن الورقة المطبوعة من الوجهين بثلاثين قرشا فقط بمعنى أن النسبة بين أسعار المكاتب وسعري لطباعة الورقة هو بنسبة 200 : 30 وأعتقد أن هذا سعر مخفض جدا.
كما أنني أحصل على أغلب الكتب من موقع المكتبة الوقفية. وهذا الموقع يضع الكتب بالموقع ولا يشترط أي شروط سواء لتحميلها أو لنسخها أو لبيعها، كما أننى احصل من مواقع غيرها والتي تضع هذه الكتب بدون شروط.
والسؤال الآن:
هل يجوز لي أن أنسخ هذه الكتب و أبيعها بهذه الأسعار المخفضة جدا بالإضافة إلى مبلغ مقابل مجهودي؟ لأحقق دخلا لأنني حاليا لا أستطيع الخروج من المنزل، وأعتبر هذا العمل من أعمال نشر عقيدتنا وشريعتنا من خلال بيع هذه الكتب.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي عليه المجامع الفقهية واللجان المعتبرة للفتوى هو إثبات الحقوق الفكرية وحرمة التعدي عليها، وراجع تفصيل ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 33715، 45619، 6080.
ومنها يعرف السائل حرمة التكسب من طباعة وبيع هذه الكتب إن كانت حقوق طبعها محفوظة لجهة ما. فيمكن للسائل أن يختار الكتب التي أذن أصحابها بطباعتها حسبة ونشرا للعلم، وهي وإن كانت قليلة إلا إنها موجودة.
وأما ما ذكره السائل من تأوله لقول الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {النور: 61}
فهذه الآية لا علاقة لها بموضوع نسخ الكتب لامن قريب ولا من بعيد، فصدر الآية فيه حكم عام لمن كان من أهل هذه الأعذار في الأحكام التي تتعلق بأعذارهم، ثم بعد ذلك تناولت عموم الناس برفع الحرج عنهم في أمر معين، وهو الأكل دون إذن من بيوت مخصوصة.
قال السعدي في تفسير هذه الآية: أي: ليس على هؤلاء جناح في ترك الأمور الواجبة التي تتوقف على واحد منها، وذلك كالجهاد ونحوه مما يتوقف على بصر الأعمى أو سلامة الأعرج أو صحة للمريض، ولهذا المعنى العام الذي ذكرناه أطلق الكلام في ذلك ولم يقيد كما قيد قوله: {ولا على أنفسكم} أي: حرج {أن تأكلوا من بيوتكم} أي: بيوت أولادكم ... {أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم} وهؤلاء معروفون {أو ما ملكتم مفاتحه} أي: البيوت التي أنتم متصرفون فيها بوكالة أو ولاية ونحو ذلك ... {أو صديقكم} وهذا الحرج المنفي عن الأكل من هذه البيوت كل ذلك إذا كان بدون إذن، والحكمة فيه معلومة من السياق، فإن هؤلاء المسمين قد جرت العادة والعرف بالمسامحة في الأكل منها لأجل القرابة القريبة أو التصرف التام أو الصداقة، فلو قدر في أحد من هؤلاء عدم المسامحة والشح في الأكل المذكور، لم يجز الأكل، ولم يرتفع الحرج، نظرا للحكمة والمعنى. اهـ.
وأما قول السائل: (على اعتبار أني أملك مفاتح هذه الوسيلة) فهذا إن صح في مجرد الدخول والاستفادة فلا يصح في الطباعة والتجارة.
والله أعلم.