السؤال
هل هناك حديث يذكر من يتحدثون في الفتوى بغير علم و من يقول أحاديث نبوية بغير علم دون ان يتحرى الدقة ثم يتحجج أنه داعية إلى الله
هل هناك حديث يذكر من يتحدثون في الفتوى بغير علم و من يقول أحاديث نبوية بغير علم دون ان يتحرى الدقة ثم يتحجج أنه داعية إلى الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن الإفتاء عظيم الخطر كبير الموقع كثير الفضل، لأن المفتي وارث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وموقع عن الله، قال ابن المنكدر : العالم بين الله تعالى وخلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم، انتهى، ولذا كان كثير من فضلاء السلف يتوقف عن الفتيا في أشياء كثيرة معروفة، فقد قال عبد الرحمن بن أبي ليلى :أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول، انتهى، وروى الآجري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من فاته لا أدري أصيبت مقاتله، انتهى، وكان الإمام مالك بن أنس رحمه الله يقول: من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف خلاصه؟ ثم يجيب، انتهى، وسئل عن مسألة فقال: لا أدري، فقيل: هي مسألة خفيفة سهلة فغضب، وقال: ليس في العلم شيء خفيف، انتهى، وقال أبو حنيفة رحمه الله: لولا الفزع من الله تعالى أن يضيع العلم ما أفتيت! يكون لهم المهنأ وعلي الوزر، انتهى، وسئل الشافعي رحمه الله عن مسألة فلم يجب، فقيل له، فقال: حتى أدري أن الفضل في السكوت أو الجواب، انتهى، وعن الأثرم قال: سمعت أحمد بن حنبل يكثر أن يقول: لا أدري، وذلك فيما عرف من الأقاويل فيه، انتهى، وقال الخطيب : قلَّ من حرص على الفتيا وسابق إليها وثابر عليها، إلا قلَّ توفيقه، واضطرب في أموره، وإن كان كارهاً لذلك غير مؤثر له ما وجد عنه مندوحة، وأحال الأمر فيه على غيره، كانت المعونة له من الله أكثر، والصلاح في جوابه أغلب، انتهى، وأقاويلهم في هذا مستفيضة وخوفهم من هذا المنصب كبير، لأن الفتيا من غير متأهل، والقول على الله بغير علم، منكر عظيم وإثم مبين، ووقوع في سبل الشيطان الرجيم، قال سبحانه: وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ *إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {البقرة: 169،168}، والقول على الله بغير علم قرين الشرك، لأن الله يقول: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {الأعراف: 33}، قال ابن القيم في مدارج السالكين: وأما القول على الله بلا علم فهو أشد هذه المحرمات تحريماً وأعظمها إثماً، ولهذا ذكر في المرتبة الرابعة من المحرمات التي اتفقت عليها الشرائع والأديان، فقال: (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) فهذا أعظم المحرمات عند الله وأشدها إثماً، فإنه يتضمن الكذب على الله ونسبته إلى ما لا يليق به، وتغيير دينه وتبديله، ونفي ما أثبته وإثبات ما نفاه، وتحقيق ما أبطله وإبطال ما حققه وعداوة من والاه وموالاة من عاداه وحب ما أبغضه، وبغض ما أحبه، ووصفه بما لا يليق في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله، فليس في أجناس المحرمات أعظم عند الله منه ولا أشد منه ولا أشد إثما، وهو أصل الشرك والكفر، وعليه أسست البدع والضلالات، فكل بدعة مضلة في الدين أساسها القول على الله بلا علم، انتهى.
ومن أفتى بغير علم فإن كل ما يترتب على فتواه من مخالفة للشرع ومباينة للهدى فإنه يتحمل وزرها، لقوله صلى الله عليه وسلم: من أُفتيَ بغير علم كان إثمه على من أفتاه رواه أبو داود و الحاكم عن أبي هريرة وحسنه الألباني في صحيح الجامع. فعلى المسلم أن يستشعر عظم هذا المنصب، ولا يخوض في هذا الأمر إلا بعلم، وإلاَّ تقحم النار والعياذ بالله.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني