الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حقيقة سؤال إبراهيم عليه السلام: (رب أرني كيف تحيي الموتى)

السؤال

طلب سيدنا إبراهيم عليه السلام من الله أن يريه كيف يحي الموتى، فقال له جل وعلا: (أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي)، وهو النبي. فما بالنا نحن ألا نطلب من الله مثل ما طلبه سيدنا إبراهيم عليه السلام؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فاعلم أن إبراهيم -عليه السلام- لم يشك في قدرة الله على إحياء الموتى، وذلك لأنه قرر في الآيات التي قبلها إيمانه بهذه الحقيقة، حينما قال للنمرود: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [البقرة: 258]، ولأن الشك يبعد وقوعه عمن رسخ الإيمان في قلبه، فكيف بمن بلغ رتبة النبوة، ودخل النار راضياً محافظة على دينه؟!

وكذلك نجد أن سؤال إبراهيم وقع بكيف؟ فدل على حال شيء موجود مقرر عند السائل والمسؤول، فكان السؤال عن هيئة الإحياء لا عن ذات الأحياء، وكأن سيدنا إبراهيم أراد أن يترقى في هذا المقام من علم اليقين إلى عين اليقين، بدليل قوله: (ولكن ليطمئن قلبي) أي ليزداد سكوناً بالمشاهدة المنضمة إلى اعتقاد القلب، لأن تظاهر الأدلة أسكن للقلوب، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: نحن أحق بالشك من إبراهيم، إذ قال: رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي. ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي. رواه البخاري، أي إذا كان الشك متطرقاً إلى الأنبياء، لكنت أنا أحق به منهم، وقد علمتم أني لم أشك، فاعلموا أنه لم يشك، وإنما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك تواضعاً، وقبل أن يُعلم أنه أفضل الأنبياء.

وقد ذكرنا لك ذلك لتعلم حقيقة سؤال إبراهيم، قال القرطبي: وَالْفِكْرُ فِي ‌صُورَةِ ‌الْإِحْيَاءِ غَيْرُ مَحْظُورٍ، كَمَا لَنَا نَحْنُ الْيَوْمَ أَنْ نُفَكِّرَ فِيهَا إِذْ هِيَ فِكْرٌ فِيهَا عِبَرٌ، فَأَرَادَ الْخَلِيلُ أَنْ يُعَايِنَ فَيَذْهَبَ فِكْرُهُ فِي ‌صُورَةِ ‌الْإِحْيَاءِ. اهـ.

وليُعلم أن سؤال الله تعالى آية من الآيات مشروع لآحاد الناس كما هو مشروع للأنبياء، سواء كان ذلك طلباً لزيادة الإيمان، أو لدعوة الناس للإسلام.

وقد وقع مثل هذا من غلام الأخدود، كما روى قصته مسلم في صحيحه، وفيها: …فبينما هو كذلك، إذ أتى على دابة عظيمة، قد حبست الناس، فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجراً، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة، حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها فمضى الناس.

ووقع كذلك للطفيل بن عمرو الدوسي -رضي الله عنه- أنه لما أسلم قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إني امرؤ مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية، تكون لي عوناً فيما أدعوهم إليه، فقال: "اللهم اجعل له آية" قال: فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر، وقع نور بين عيني مثل المصباح، قال: فقلت: اللهم في غير وجهي، فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراقي دينهم، فتحولت في رأس سوطي. انظر أسد الغابة 3/78، وذكرها ابن حجر في الفتح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني