السؤال
إذا كان الأمر كما ذكرت فضيلتك فى الفتوى رقم 132775 أن الإمام مالك رفض الإحرام قبل الميقات خوفا من البدعة. لماذا أوجب المالكية هديا لمن أحرم قبل الميقات هل معنى الخوف من البدعة أن يشرع الامام مالك هديا لمن أحرم قبل الميقات؟ هكذا قرأت بالضبط عند المالكية (وجوب الهدى على من أحرم قبل الميقات)وما الحكم فيما فعلته أنا وأمرت آخر بفعله عندما أقلعت الطائرة (ونحن مسافرون للحج متمتعين) أحرمت وقلت لمن معي أن ينوي العمرة ويحرم قبل الميقات خوفا من أن ننام ونحن فى الطائرة عند الميقات أو يفوت أو يمر الميقات سريعا لأى سبب من غير نية، فعلنا ذلك وعند الميقات نوينا مرة أخرى زيادة تأكيد. هل لنا أن نتحول عن مذهب مالك فى هذه المسألة ونأخذ برأى مذهب آخر حتى لا يكون علينا هدي؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما نسبته إلى المالكية من إيجابهم الهدي على من أحرم قبل الميقات ليس صحيح النسبة إليهم بحال، فإنهم قد نصوا على انعقاد الإحرام، وإنما اختلفوا هل هو مكروه مطلقاً أو يكره إذا قارب الميقات فقط أو لا يكره مطلقاً؟ ولم يقل أحد منهم إنه محرم، ولا إن من فعله لزمه هدي، فإن الهدي لا يلزم إلا بترك واجب، أو فعل ما يوجبه.
وقد فصل الحطاب الروايات عند المالكية في الإحرام قبل الميقات، فقال رحمه الله: من أحرم قبل ميقاته المكاني كره له ذلك وصح إحرامه. فما ذكره من صحة إحرامه وانعقاده فلا خلاف فيه وما ذكره من الكراهة هو المشهور من المذهب كما صرح به سند وغير واحد. قال في التوضيح: وأما كراهة تقديمه فهو الذي يحكيه العراقيون عن المذهب من غير تفصيل وهو ظاهر المدونة وفي الموازية لا بأس أن يحرم من منزله إذا كان قبل الميقات ما لم يكن منزله قريباً فيكره له ذلك. انتهى.
وما ذكره عن الموازية ذكر في النوادر أنه رواه عن مالك قال: ومن أحرم من بلده قبل الميقات فلا بأس بذلك غير أنا نكره لمن قارب الميقات أن يحرم قبله وقد أحرم ابن عمر من بيت المقدس، وذكر اللخمي عن مالك قولاً بجواز الإحرام قبل الميقات مطلقاً وذكر ابن عرفة الروايات الثلاث. ووجه الأولى المشهورة أنه عليه السلام لم يحرم إلا من الميقات وقال: خذوا عني مناسككم. وكأن توقيته عليه السلام لهذه المواقيت نهي عن الإحرام من غيرها كما في الميقات الزماني فإنه لا خلاف أنه ينهى عن الإحرام قبله، قال اللخمي وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه أنكر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة. انتهى.
ووجه رواية ابن المواز أنه مع القرب لا يظهر له معنى إلا قصد المخالفة لتحديد الشارع بخلاف البعيد فإن فيه قصد استدامة الإحرام. ووجه الرواية الثالثة أن الميقات إنما هو لمنع مجاوزته لا لمنع تقديم الإحرام عليه وأن القصد منه التخفيف فمن قدم فقد زاد خيراً. انتهى.
وهذا تحرير مذهب المالكية في الإحرام قبل الميقات، وإنما أوجب المالكية الدم على من تجاوز الميقات غير محرم، لأنه ترك واجباً هو الإحرام من الميقات، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: من ترك شيئاً من نسكه أو نسيه فعليه دم.
فلعل المسألتين اشتبهتا عليك، فإذا علمت أن المالكية لا يوجبون الدم على من أحرم قبل الميقات وإنما يوجبونه على من تجاوز الميقات غير محرم، علمت أنه لا شيء عليك فيما فعلته وأن أحرامك صحيح منعقد اتفاقاً كما بينا ذلك في الفتوى المذكور رقمها في السؤال، وإذا كنت إنما أحرمت قبل الميقات حرصاً على ألا تتجاوز الميقات غير محرم فتترك واجباً من واجبات الحج فهذا فعل حسن لا حرج فيه إن شاء الله، وليس تجديدك نية الإحرام عند وصول الميقات بشيء فإن إحرامك قد انعقد حين نويته قبل وصول الميقات.
والله أعلم.