السؤال
يرسل الزملاء في العمل بعض الأحاديث المنتشرة في الإنترنت والتي غالبا ما تكون موضوعة دون أن يعلموا بذلك، حيث يقوم الواحد بإرسالها للجميع في رسالة ألكترونية واحدة، وعادة ما أقوم بالبحث والتحقق ما إذا كان الحديث أو الأثر صحيحا، وإذا لم يكن صحيحا، أقوم بالرد على مرسل الرسالة ـ فقط ـ وأضع الرابط الإلكتروني من موقع موثوق فيه بيان بطلان الحديث أو الأثر، وأرد على مرسل الرسالة دون غيره حتى يقوم هو ببيان خطئه للآخرين باعتبار أنه المرسل، حتى لا يتعرض للإحراج، وسؤالي: في بعض الأحيان يكون المرسل من الموظفات النساء اللاتي يعملن في الشركة، فكيف يكون إخباري لهن بهذا الخطإ؟ وهل أرسل لها رسالة منفردة كالباقين؟ أم أرسل رسالة للجميع بما فيهم باقي الموظفات من النساء اللاتي استقبلن الرسالة الأصلية؟.
وسؤالي الآخر: وهو أنني أشك أن الموظف الذي أرسلت له الرسالة المنفردة ببيان الخطإ يقوم بتصحيح الخطإ للآخرين، فهل أقوم أنا ببيان هذا الخطإ للآخرين؟ علما بأن هذه الطريقة فيها إحراج وقد يشعر الموظف بأنني أخطؤه أمام الجميع وأنقص من شأنه، بالإضافة إلى أن هذه الرسالة التي يبعثها الموظف والتي تكون موجهة لي تكون ـ أيضا ـ موجهة لأشخاص آخرين لا أعرفهم ولا يعملون في نفس الشركة وغالبا ما تكون موجهة لموظفات نساء من ضمن القائمة.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنشر الأحاديث وإرسالها للغير لتعليمهم الخير من أعظم أبواب الأجر، إلا أنه يجب التثبت من الأحاديث قبل إرسال هذه الرسائل الإلكترونية ومعرفة ما إذا كان الحديث مقبولا عند العلماء أو مردودا خشية الوقوع في كبيرة الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يحل لأحد أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان الحديث صحيحا أو حسنا فإن لم يغلب ذلك على ظنه فليحذر من إرساله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَذَبَ عَلَي مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ. رواه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ. رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في شرح صحيح مسلم: لا فرق في تحريم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم بين ما كان في الأحكام وما لا حكم فيه كالترغيب والترهيب والمواعظ وغير ذلك، فكله حرام من أكبر الكبائر وأقبح القبائح بإجماع المسلمين الذين يعتد بهم في الإجماع، ويحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعا أو غلب على ظنه وضعه، فمن روى حديثا علم أو ظن وضعه ولم يبين حال روايته وضعه فهو داخل في هذا الوعيد، مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل عليه ـ أيضا ـ الحديث السابق: من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين. اهـ.
وقد أحسنت في قيامك بالتثبت من هذه الأحاديث ومراسلة من يقوم بترويجها، فهذا من النصيحة الواجبة شرعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ولعامة المسلمين.
والذي يتأكد عليك فعله مما سألت عنه في سؤاليك: هو عدم الاقتصار على نصيحة الموظفة التي تعمل معك ـ فقط ـ بل عليك أن تقوم بإرسال رسالة تحذيرية ببيان كذب ما تقف عليه من أحاديث في هذه الرسائل لكل من وصلتهم الرسالة حتى تبرأ ذمتك، ولا تقتصر ـ أيضا ـ على مراسلة المرسل ـ فقط ـ فقد لا يبين ما أخطأ فيه لغيره وقد يتكاسل أو يخشى حدوث حرج، وإرسالك بريدا ألكترونيا للمئات هو نفس خطوات إرسال رسالة واحدة، فلماذا لا تأخذ بالحزم وتنصح لدينك وللمسلمين؟
وإن كنت تعلم صاحب هذه الرسائل وتخشى من فساد ذات البين بينكم فانصحه وبين له وجوب التثبت من الأحاديث قبل إرسالها، وبين له أن قيامك ببيان كذب هذه الأحاديث هو قيام بواجب شرعي وأنه نصح له ولسنة النبي صلى الله عليه وسلم ولعامة المسلمين وأرشده إلى بعض المواقع المفيدة التي يبحث فيها عن الأحاديث ويعلم صحتها قبل إرسالها ولا تتوقف مع هذا عن البيان لمجرد ظن أنه قد يشعر بالإحراج، فالحق أحق أن يتبع، ولا مجاملة في أحكام الدين، ورضا الناس غاية لا تدرك فعليك بطلب رضا الله، ونحن نوصيك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوصت به عائشة ـ رضي الله عنها ـ معاوية ـ رضي الله عنه ـ لما قال لها: اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ، فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ إِلَى مُعَاوِيَةَ: سَلَامٌ عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ.
وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ.
رواه الترمذي، وصححه الألباني.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتويين رقم: 16192، ورقم: 28452.
والله أعلم.