السؤال
الإخوة القائمون على هذا الموقع ـ جزاكم الله كل خير على جهودكم وبارك الله لكم وفيكم ـ قال لي أحد الأشخاص بأنه كان يقوم بحراسة شواطئ البلاد من المتسللين من الدول الأخرى، حيث أمر مجموعة منهم بالتوقف، فلم يستجيبوا، فقام بإبلاغ السلطات فأذنوا له بإطلاق النار على أن يتجنب الإصابة المباشرة، وقد كانوا اثنين: واحدا يرمي، والآخر يعينه، فقاما بمطاردتهم ـ أولاً ـ فلم يتوقفوا فأطلقا عليهم النار مباشرة فقتلا أحدهما وكان مسلما، والسؤال: ما الذي يترتب على هذا الفعل؟ وهل في ذلك كفارة أو دية أو قصاص؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالظاهر من قول السائل ـ فأطلقا عليهم النار مباشرة ـ يجعل هذا القتل عمداً، لا سيما وقد أمرت السلطات باجتناب الإصابة المباشرة ـ كما ورد في السؤال ـ ولا يخفى أن ذلك من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب ـ بل هو من السبع الموبقات ـ فإن زوال الدنيا أهون عند الله من إزهاق روح مؤمن بغير حق، وحرمة دمه أعظم عند الله من حرمة الكعبة المشرفة، والدماء هي أول ما يقضي فيه بين الناس يوم القيامة، ومتعمد هذا الذنب متوعد بأشد الوعيد، حيث يقول الله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93}.
وراجع في تفصيل ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 80736، 100865، 71326.
ومع ذلك، فمن وقع في هذا الإثم المبين ثم تاب توبة نصوحاً، فتوبته صحيحة مقبولة، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا* وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا {الفرقان}.
ويجب على الجاني ـ مع التوبة ـ كفارة القتل والدية لأولياء المقتول، والكفارة: هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، والدية في قتل العمد على القاتل معجلة في ماله إذا لم يعف أولياء المقتول، وفي حالة موت الأولياء أو عدم معرفتهم واستحالة الوصول إليهم، أو كونهم كفاراً حربيين، تؤدي الدية لبيت مال المسلمين، وهذا كله في حال عدم القصاص، أما إذا طالب أولياء القتيل بالقصاص، فلا كفارة ـ على القول الراجح ـ وكان قتله كفارة له، وقد سبق بيان ذلك في الفتويين رقم: 10808، ورقم: 19156.
وبالنسبة للذي كان يعين ولم يباشر القتل بنفسه، إن لم يكن يعلم أن الجاني كان يريد القتل، بل يطلق النار للتخويف مثلاً، فلا قصاص عليه اتفاقاً، لأنه متسبب والقاتل مباشر، والقاعدة الفقهية تقول ـ إذا اجتمع المباشر والمتسبب يضاف الحكم إلى المباشر.
وإذا كان يعين بقصد القتل ولولا فعله لما تمكن القاتل من القتل، فالحنفية والشافعية على أنه لا يقتص منه أيضاً لتقديم المباشر على المتسبب، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 41748، وراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 38887.
ثم ننبه السائل على أن القتيل ولو كان مخطئاً بالتسلل إلى دولته، إلا أن هذا لا يبيح قتله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة.
متفق عليه.
والله أعلم.