السؤال
لقد أحرمت للحج، وبعد خروجي من السكن لم أجد وسيلة نقل من جدة إلى مكة نظراً لهطول الأمطار على مدينة جدة بغزارة في هذا اليوم ورجعت للمنزل مرة أخرى وحللت الإحرام . أرجو من سعادتكم إفادتي هل على شيء؟
لقد أحرمت للحج، وبعد خروجي من السكن لم أجد وسيلة نقل من جدة إلى مكة نظراً لهطول الأمطار على مدينة جدة بغزارة في هذا اليوم ورجعت للمنزل مرة أخرى وحللت الإحرام . أرجو من سعادتكم إفادتي هل على شيء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما دمت قد أحرمت بالحج فإنه لم يكن يجوز لك أن تتحلل من إحرامك، بل كان الواجب عليك الأخذ بأسباب السعي حتى تدرك الحج، فوقت الوقوف بعرفة يمتد إلى طلوع فجر يوم النحر عند الجمهور، فإذا أدركت الوقوف قبل طلوع الفجر من يوم النحر كنت مدركا للحج، وأما تحللك لخوف فوات الحج فلا يجوز.
قال النووي في الروضة: لو صد عن طريق وهناك طريق آخر نظر إن تمكن من شرائط الاستطاعة فيه لزمه سلوكه سواء طال هذا الطريق أم قصر، سواء رجا الإدراك أم خاف الفوات أم تيقنه بأن أحصر في ذي الحجة وهو بالعراق مثلا فيجب المضي والتحلل بعمل عمرة ولا يجوز التحلل بحال.
وإذا علمت أن الواجب عليك كان أن تبقى على إحرامك وأن تجتهد في السعي في الوصول إلى عرفة قبل أن ينتهي وقت الوقوف، علمت أن ما فعلته غير صحيح. أما وقد وقع ما وقع، فأنت الآن باق على إحرامك والواجب عليك الآن بعد إذ فاتك الحج هو أن تتحلل بعمرة وتنحر هديا، فإن عجزت عن ذبح الهدي فعليك صيام عشرة أيام، وعليك أن تحج من العام القادم. والقول بلزوم القضاء هو قول الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة.
قال ابن قدامة رحمه الله: الفصل الثالث: أنه يلزمه القضاء من قابل سواء كان الفائت واجبا أو تطوعا روي ذلك عن عمر وابنه وزيد وابن عباس وابن الزبير ومروان، وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وعن أحمد لا قضاء عليه بل إن كانت فرضا فعلها بالوجوب السابق، وإن كانت نفلا سقطت وروي هذا عن عطاء وهو إحدى الروايتين عن مالك. انتهى.
ورجح الشيخ العثيمين رحمه الله أن من فرط حتى فاته الحج لزمه القضاء، ومن فاته الحج بغير تفريط منه فلا قضاء عليه.
قال البهوتي في الروض المربع: (من فاته الوقوف) بأن طلع عليه فجر يوم النحر ولم يقف بعرفة (فاته الحج) لقول جابر: لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع، قال أبو الزبير: فقلت له: أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قال: نعم، رواه الأثرم. (وتحلل بعمرة فيطوف ويسعى، ويحلق أو يقصر، إن لم يختر البقاء على إحرامه ليحج من قابل (ويقضي) الحج الفائت. (ويهدي) هديًا يذبحه في قضائه (إن لم يكن اشترط) في ابتداء إحرامه لقول عمر لأبي أيوب -لما فاته الحج- اصنع ما يصنع المعتمر، ثم قد تحللت فإن أدركت الحج قابلا فحج، وأهد ما استيسر من الهدي، رواه الشافعي. انتهى.
وقال العلامة العثيمين رحمه الله في حكم القضاء لمن فاته الحج: إن فاته بتفريط منه فعليه القضاء، وإن فاته بغير تفريط منه كما لو أخطأ في دخول الشهر فظن أن اليوم الثامن هو التاسع، ولم يعلم بثبوته فلا قضاء عليه، وهذا القول الذي فصلنا فيه قول وسط بين من يقول يلزمه القضاء ومن يقول لا يلزمه القضاء.
فالأقوال إذاً ثلاثة:
الأول: المذهب يلزمه القضاء.
الثاني: لا يلزمه القضاء، وهو الذي قدمه الموفق في المقنع.
الثالث: التفصيل، فإن فاته بتفريط منه لزمه القضاء، وإن كان بغير تفريط منه لم يلزمه القضاء.
وهذا هو القياس التام على الإحصار؛ لأن المحصر منع من إتمام النسك بدون اختياره. انتهى.
وعليه؛ فأنت الآن باق على إحرامك، والواجب عليك هو أن تأتي مكة فتتحلل بعمرة وتهدي وتقضي الحج إن كنت مفرطا بتفويته كما هو الظاهر، وأما ما فعلته من محظورات الإحرام في تلك المدة فلا شيء عليك فيه عند كثير من أهل العلم لجهلك بالحكم الشرعي، وقد قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. {الأحزاب:5}. ويرى كثير من العلماء أن ما فعلته من المحظورات من قبيل الإتلاف كقص الشعر وتقليم الأظفار ففيه الفدية.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني