الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان زوجك قد جمع بين الطلاق والحرام المكررين بأن قال مثلاً: أنت طالق طالق طالق طالق طالق خمس مرات، ثم قال حرام كذلك ـ أيضاً ـ فحكم ذلك كما يلي:
أولاً: الطلاق وقد كرره خمساً، فإن قصد التأكيد بمعنى أنه قصد إنشاء الطلاق بالعبارة الأولى فقط وجعل ما بعدها تأكيداً أو لم ينو شيئاً لزمته طلقة واحدة، وإن قصد التأسيس يعني قصد إنشاء الطلاق بالعبارات كلها أو بثلاث منها فقد وقع الطلاق ثلاثاً وحرمت عليه حتى تنكحي زوجاً غيره ـ نكاحاً صحيحاً نكاح رغبة لا نكاح تحليل ـ ثم يطلقك بعد الدخول، قال ابن قدامة في المغني: فإن قال: أنت طالق طالق طالق، وقال: أردت التوكيد قبل منه، لأن الكلام يكرر للتوكيد، كقوله عليه السلام: فنكاحها باطل باطل باطل.
وإن قصد الإيقاع وكرر الطلقات طلقت ثلاثاً، وإن لم ينو شيئاً، لم يقع إلا واحدة، لأنه لم يأت بينها بحرف يقتضي المغايرة فلا يكن متغايرات. انتهى.
ووقوع الثلاث عند قصد التأسيس هو مذهب جمهور أهل العلم ـ بمن فيهم المذاهب الأربعة ـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه تلزم طلقة واحدة على كل حال، وراجعي في تفاصيل ذلك الفتوى رقم: 54257.
ثانياً: التحريم ـ وقد كرره خمساً ـ فإن سبقته ثلاث طلقات فلا يلزمه شيء، إذا قصد الطلاق أو الظهار لوقوعهما بعد حرمة الزوجة، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 116418، وإن قصد اليمين أو لم يقصد شيئاً لزمته كفارة واحدة على الراجح، كما تقدم في الفتوى رقم: 11229.
وإن سبق التحريم أقل من ثلاث طلقات فيرجع فيه إلى نية زوجك وقصده، ولا يخلو من أن يكون قد قصد الطلاق أو الظهار أو اليمين أو لم يقصد شيئاً، قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى: فصار الذي يقول لزوجته أنت علي حرام له أربع حالات:
الأولى: أن ينوي الظهار.
الثانية: أن ينوي الطلاق.
الثالثة: أن ينوي اليمين.
الرابعة: أن لا ينوي شيئاً.
فإذا نوى الظهار فظهار، أوالطلاق فطلاق، أو اليمين فيمين، والعمدة عندنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.
فإذا لم ينو شيئاً صار يميناً، والدليل قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ* قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ. انتهى.
فإن قصد الطلاق فينطبق عليه الحكم المتقدم في تكرار الطلاق، وإن قصد الظهار لزمته كفارة واحدة، كما تقدم تفصيله في الفتوى رقم: 59996، وهذه الكفارة تقدم بيانها في الفتوى رقم: 192، وإن قصد اليمين بالله تعالى أو لم يقصد شيئاً لزمته كفارة يمين واحدة، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 126480، وتقدم تفصيلها في الفتوى رقم: 107238.
وفي حال وقوع الطلاق ثلاثاً فأنت أجنبية منه ومعاشرته لك أمر محرم وعليك الابتعاد عنه فوراً، والتوبة إلى الله تعالى، واعلمي أن طول الزمن لا يغير شيئاً مما ذكر، لكن ما حصل من أولاد بعد الطلاق يعتبرون لاحقين بزوجك إذا كان يعتقد صحة النكاح، كما تقدم في الفتوى رقم: 17568، وقد أفتيناك ـ بما أفتينا به ـ بناء على أن زوجك قد نطق بطلاقك وتحريمك ناجزين وليسا معلقين ـ كما هو ظاهر السؤال ـ ونية التهديد لا تنفعه في حال إنشاء الطلاق كما أنها إن كان الطلاق معلقاً وحصل المعلق عليه لا تنفعه أيضاً عند جمهور أهل العلم ـ بمن فيهم المذاهب الأربعة ـ خلافاً لشيخ الإسلام ابن تيمية القائل بلزوم كفارة يمين، كما تقدم في الفتوى رقم: 19162.
ولعل الفتوى التي سمعتها يقصد صاحبها الطلاق المعلق وبالتالي، فهي لا تعني حالتك، ولو افترضنا أنها تعني حالتك فقد علمت ـ مما ذكرنا ـ أنها تخالف ما عليه المذاهب الأربعة، وأنها تخالف ما نفتي به.
ثم إن سؤالك لا يخلو من غموض فلأجل ذلك ننصحك برفع الأمر لمحكمة شرعية ليحضر زوجك ويحكي حقيقة ما تلفظ به أمام القاضي، ولا تتخذي قراراً حتى تعرضي أمرك ـ مشافهة ـ على القاضي الشرعي ويحضر زوجك ليسمع منه، فإننا هنا نفتي حسب ما نفهم من السؤال وقد يكون الواقع خلافه فتنبهي إلى هذا.
والله أعلم.