السؤال
حصل معي حادث مروري قبل فترة من الزمن، وكنت أقود السيارة بسرعة تتراوح ما بين 60-80 كم/ساعة. لا أتذكر ما هي بالضبط، علما بأن الطريق ليس طريقا لعبور المشاة والسرعة المحددة فيه 45 كم/ساعة. وفجأة ظهر لي رجل يجري بسرعة يحاول قطع عبور الشارع، حاولت أن أتفاداه ولكنني لم أستطع بسبب تفاجئي به، ولأن الباص الذي ينتظر الرجل كان على جانب الطريق العام، ولم يكن هناك مكان مخصص لانتظار السيارات فاصطدمت بهذا الرجل، ومن ثم بالباص الواقف على جانب الطريق بسبب محاولتي تفادي الاصطدام بالرجل، ونتيجة لذلك اصطدم الباص بدوره برأس رجل آخر الذي توفاه الله لاحقا، فضيلة الشيخ ما هو الحكم الشرعي إذا لم أستطع صيام شهرين متتابعين بسبب عذر طبي، ولا أملك المال الكافي حاليا لأدفع الدية الشرعية لهما، وعاقلتي في بلد آخر تحت الاحتلال والحصار حاليا، علما بأنه لم أتعرف على أهالي المتوفيين ولم أبحث عنهم لعدم امتلاكي المال الكافي كما سبق أن ذكرت لك؟ وفي حال توافر المال الكافي ما هو مقدار الدية الشرعية هل يمكن أن أذهب إلى دولة المتوفى وأدفع مقدار الدية الشرعية المحددة في تلك الدولة؟ أم أدفع مقدارها وفقا للدولة التي أعيش فيها رغم التفاوت الكبير وصعوبة تجميع مبلغ الدية في هذه الدولة؟ وفي حال لم أستطع تجميع المالي الكافي ماذا يمكن أن أفعل ؟
أثابكم الله وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فتجاوز السرعة المقررة لسير السيارة من التفريط الذي يوجب الدية والكفارة إذا تسبب في قتل مسلم. والكفارة هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم توجد فصيام شهرين قمريين متتابعين إن بدأهما من بداية الشهر فالأمر واضح، وإن بدأهما من بعد الإهلال صام ستين يوما. فإن عجز عن الصوم فالجمهور على أنه لا إطعام عليه. وفي قول للشافعية وللحنابلة أن عليه الإطعام قياسا على غيره ككفارة الظهار والصوم. ولعل الصواب في المسألة هو التفصيل بين من عجز عن الصيام عجزا أبديا ومن كان عاجزا عجزا مؤقتا، فالعاجز عجزا أبديا يطعم، والعاجز عجزا مؤقتا ينتظر القدرة على الصيام.
وعلى ذلك فينظر السائل الكريم في العذر الطبي الذي عنده هل هو دائم فيطعم، أم مؤقت فينتظر القدرة على الصيام.
وأما الدية فهي على العاقلة إلزاما، فإن عُدموا فإنها تكون في بيت المال، فإن لم يوجد فتكون في مال القاتل نفسه إن لم يعف عنه ولي الدم. فعلى السائل أن يبحث عن أولياء الدم ويحاول الاتصال بهم ويشرح لهم حاله ويستعفيهم، فإن عفوا فالحمد لله، وإلا دفع لهم ما يستطيع دفعه ويستعفيهم في الباقي، فإن عفوا وإلا كان دينا على عاقلته ثم عليه، يوفونه حين يتيسر.
جاء في الموسوعة الفقهية: إذا لم يكن للجاني عاقلة، وتعذر حصول الدية من بيت المال لعدم وجوده أو عدم ضبطه، فهل يسقط الدم أو تجب الدية كاملة على الجاني نفسه ؟ اختلف الفقهاء، فقال الحنفية والمالكية وهو الأظهر عند الشافعية واختاره ابن قدامة من الحنابلة: إنها تجب في مال الجاني. وذهب الحنابلة إلى أنها تسقط بتعذر أخذها من بيت المال حيث وجبت فيه، ولا شيء على القاتل، وهذا هو المذهب عندهم، ولا على العاقلة أيضا لعجزها عن أداء ما وجب عليها من الدية. ولو أيسرت العاقلة بعد ذلك أخذت الدية منها كاملة لئلا يضيع دم المسلم هدرا. وفي وجه عند الشافعية: لا تؤخذ من الجاني بل تجب على جماعة المسلمين كنفقة الفقراء كما ذكره النووي في الروضة. اهـ.
وأما مقدار الدية بعملة كل بلد فهذا يختلف بحسب اختلاف سعر العملة، وقيمة الإبل أو الذهب والفضة في كل بلد، على تفصيل سبق أن ذكرناه في الخلاف بين أهل العلم في ما هو الأصل في الدية، راجع له الفتويين: 14696، 59987.
فإذا ذهب السائل إلى دولة المتوفى ودفع مقدار الدية الشرعية المحددة في تلك الدولة، فهذا يجزئه. وعلى أية حال فينبغي إحالة النظر في مثل هذه القضايا للمحاكم الشرعية والجهات المختصة بالنظر في تلك القضايا. وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 30811، 5914، 61552، 71463.
والله أعلم.