السؤال
أرجو منكم مساعدتي في حل هذا الإشكال هو: لما نسمع مثلا حديثا (أخرجه الترمذي) أو مثلا (أخرجه البيهقي) أو(أخرجه ابن ماجه) أو (أخرجه ابن حبان) يعني لا يفهم من الحديث أنه صحيح إلا إذا قيد بكلمة ( صححه فلان) أو( ضعفه فلان) حينئذ نتعرف على الحديث أنه صحيح أم ضعيف، وهذا يستثنى منه الحديث (أخرجه البخاري) و (أخرجه مسلم) هذان يفهم منهما أن الحديث صحيح من غير تقييد الحديث بكلمة( صحيح). لكن عندما أقرأ في كتب التفسير أجد فقط كلمة( أخرجه فلان) من غير ذكر نوعية الحديث أنه صحيح أو حسن أو ضعيف .مثلا: (أخرجه قتادة) أو( أخرجه ابن مسعود) أو( أخرجه ابن عباس) ...إلخ كيف يفهم هذا ؟ وألاحظ أيضا أن رواة أحاديث التفسير يختلفون عن غيرهم .؟ هل كلمة ( أخرجه فلان) التي تذكر بهذه الصيغة المطلقة في كتب التفسير معناه أنه صحيح ؟ وهل يوجد أحاديث ضعيفة في كتب التفسير ولا ينبه عنها؟ نرجو منكم توضيحا ؟ والله يبارك فيكم !
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فكتب الحديث كما ذكرت منها ما التزم مؤلفوها الصحة، ومنها من لم يلتزم ذلك فينظر العلماء في الإسناد ويحكمون عليه بما يناسبه حسب قواعد علم الحديث، وقد ذكرنا نبذة عن أسماء كتب الحديث المعتمدة في فتاوى سابقة هذه أرقام بعضها فلتراجع: 6979، 11595.
وأما كتب التفسير فما يورد فيها من أحاديث يجمع بين الصحيح والضعيف بل وفي بعضها الموضوع والإسرائيليات، وكلمة أخرجه فلان لا تعني أن الحديث صحيح، بل لا بد من النظر في الإسناد والمتن والحكم عليه حسب قواعد علم المصطلح.
وأما الأمثلة التي ذكرتها من قولك: (أخرجه قتادة) أو( أخرجه ابن مسعود) أو( أخرجه ابن عباس)، فقتادة من أشهر مفسري التابعين وكان يُرى أنه أعلمهم بالتفسير، وابن مسعود وابن عباس من أكابر مفسري الصحابة وأعلمهم بكتاب الله، والعلماء إذا ذكروا تفسيرا عنهم لا يقولون أخرجه ابن مسعود، بل التفسير يكون مرويا عن ابن مسعود ومن ذكرت معه، وإنما يقولون أخرجه فلان لمن يروي عن ابن مسعود وغيره الحديث أو الأثر، بإسناده إليه كالطبري، وابن أبي حاتم في تفسيريهما، وكالبخاري ومسلم في صحيحيهما، وكأصحاب السنن وغيرهم ممن يروي التفسير بالإسناد.
وأما الجواب على سؤالك: هل في كتب التفسير أحاديث ضعيفة؟ فنقول: إن التفسير المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة أو عمن بعدهم هو على أنواع، قال الشيخ محمد أبو شهبة: وأما تفسير القرآن بما صح وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو على العين والرأس... وأما الضعيف والموضوع المختلق على النبي: فأحرى به أن يرد.
وأما تفاسير الصحابة والتابعين - وهي أكثر من أن تحصى-: ففيها الصحيح، والحسن، والضعيف، والموضوع، والإسرائيليات، التي تشتمل على خرافات بني إسرائيل، وأكاذيبهم، وقد تدسست إلى الكتب الإسلامية، ولاسيما كتب التفسير، وقد تنبه العلماء المحدثون القدامى، إلى هذه الظاهرة، وهي: غلبة الضعف على الرواية بالمأثور، فقد روي عن الإمام الجليل أحمد بن حنبل أنه قال: ثلاثة ليس لها أصل: التفسير والملاحم، والمغازي، وقال المحققون من أصحاب الإمام: مراده: أن الغالب أنه ليس لها أسانيد صحيحة متصلة، وإلا فقد صح من ذلك شيء غير قليل، كما قلنا فيما سبق. اهـ باختصار من كتاب:" الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير" للدكتور محمد بن محمد أبو شهبة رحمه الله، وهو من الكتب التي ننصح السائل بقراءتها ففيه جواب على كثير مما ذكر وغيره مما يدور في الذهن حول علم التفسير وما ورد فيه من روايات ضعيفة أو موضوعة ونشأة ذلك وأسباب هذه الظاهرة.
كما ننصح السائل لكي يعرف مناهج المفسرين وأي كتب التفسير تعتني بالصحيح وأيها الغالب عليه الضعيف أو الموضوع أو الإسرائليات، ننصحه أن يراجع كتاب: "التفسير والمفسرون" للدكتور محمد حسين الذهبي رحمه الله فهو من الكتب المفيدة في هذا الباب، وقد ذكرنا في فتوى سابقة رقمها: 66635، كلاما حول كتب التفسير والإسرائليات فلتراجع، كما ننبه السائل إلى أن هناك كتبا خاصة في تخريج أحاديث كتب التفسير بإمكانه الرجوع إليها لمعرفة ثبوت الرواية أو عدمها، ككتاب:" الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف" للحافظ ابن حجر، وكتاب:" الفتح السماوي في تخريج أحاديث البيضاوي" للمناوي، وغيرها. والله الموفق.
والله أعلم.