السؤال
هل يعتبر الزمان والمكان من المسائل المطروحة في موضوع العرض والجوهر؟
فهل يعتبر الزمان عرضا لأنه مرتبط بالحركة، ويعتبر المكان جوهرا لأنه مرتبط بالمادة؟
هل يعتبر الزمان والمكان من المسائل المطروحة في موضوع العرض والجوهر؟
فهل يعتبر الزمان عرضا لأنه مرتبط بالحركة، ويعتبر المكان جوهرا لأنه مرتبط بالمادة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالجوهر والعرض، والأين والمتى اللذان هما المكان والزمان، من مباحث علم الكلام والفلسفة، وعلى صعوبة هذه العلوم فإنها مما لا ينفع غالبا بل قد يضر، قال ابن القيم في (مدارج السالكين): فلا تجد هذا التكلف الشديد والتعقيد في الألفاظ والمعاني عند الصحابة أصلا، وإنما يوجد عند من عدل عن طريقهم، وإذا تأمله العارف وجده كلحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقي ولا سمين فينتقل، فيطول عليك الطريق ويوسع لك العبارة ويأتي بكل لفظ غريب ومعنى أغرب من اللفظ، فإذا وصلت لم تجد معك حاصلا طائلا .. فالمتكلمون في جعاجع الجواهر والأعراض والأكوان والألوان والجوهر الفرد والأحوال والحركة والسكون والوجود والماهية والانحياز والجهات والنسب والإضافات والغيرين والخلافين والضدين والنقيضين والتماثل والاختلاف، والعرض هل يبقى زمانين، وما هو الزمان والمكان، ويموت أحدهم ولم يعرف الزمان والمكان اهـ.
ويكفيك أن ترجع لكلام الجرجاني أو الكفوي مثلا، في تعريف الجوهر والعرض لترى مصداق كلام ابن القيم.
ومن العبارات السهلة في ذلك قول ابن حزم في (التقريب لحد المنطق): الخلق ينقسم قسمين لا ثالث لهما أصلا: شيء يقوم بنفسه ويحمل غيره، فاتفقنا على أن سميناه جوهرا. وشيء لا يقوم بنفسه ولا بد أن يحمله غيره، فاتفقنا على أن سميناه عرضا. فالجوهر هو جرم الحجر والحائط والعود وكل جرم في العالم. والعرض هو طوله وعرضه ولونه وحركته وشكله وسائر صفاته هي محمولة في الجرم اهـ.
وقال ابن حزم أيضا: أجناس الأجناس التي لا تكون نوعا أصلا وهي أوائل في قسمة العالم، ذكر المتقدمون أنها عشرة ثم حققوا فقالوا: إن الأصول منها أربعة، فالعشرة منها هي: الجوهر، والكم، والكيف، والإضافة، والمتى، والأين، والنصبة، والملك، والفاعل، والمنفعل. والأربعة التي حققوا أنها رؤوس المبادئ وأوائل القسم: الجوهر والكم والكيف والإضافة. وأما الست البواقي فمركبات من الأربع المذكورة، أي من ضم بعضها لبعض على ما يقع في أبوابها، إن شاء الله عز وجل. واعلم أن الجوهر وحده من جملة الأسماء التي ذكرنا - قائم بنفسه وحامل لسائرها، والتسعة الباقية محمولات في الجوهر وأعراض له وغير قائمات بأنفسها اهـ.
وقال أيضا: هذه التسع المسميات عرضا كون مختلف، وحمل الجوهر لها حمل مختلف، لأن بعضها محمول في شخصه وعرض فيه كالكيفيات، وبعضها محمول في طبيعته وعرض فيها كالعدد والزمان، وبعضها عرض له من قبل غيره، ومحمول في طبيعته بطبيعة غيره، كالإضافة اهـ.
ويتضح بهذا الكلام أن الزمان والمكان كلاهما عرض ، وقد نص ابن سينا على ذلك في كتاب (المنطق). والغزالي في (معيار العلم) وعرَّف الزمان بقوله: هو مقدار الحركة موسوم من جهة التقدم والتأخر. وعرف المكان فقال: هو السطح الباطن من الجوهر الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوي اهـ.
وقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية على القائلين بأن الزمان والمكان جوهران، فقال: هل وراء ذلك جوهر قائم بنفسه سيال هو الدهر ؟ هذا مما تنازع فيه الناس، فأثبته طائفة من المتفلسفة من أصحاب أفلاطون، كما أثبتوا الكليات المجردة في الخارج التي تسمى المثل الأفلاطونية والمثل المطلقة، وأثبتوا الهيولى التي هي مادة مجردة عن الصور، وأثبتوا الخلاء جوهرا قائما بنفسه. وأما جماهير العقلاء من الفلاسفة وغيرهم فيعلمون أن هذا كله لا حقيقة له في الخارج، وإنما هي أمور يقدرها الذهن ويفرضها؛ فيظن الغالطون أن هذا الثابت في الأذهان، هو بعينه ثابت في الخارج عن الأذهان، كما ظنوا مثل ذلك في الوجود المطلق، مع أن المطلق بشرط الإطلاق وجوده في الذهن، وليس في الخارج إلا شيء معين وهي الأعيان وما يقوم بها من الصفات، فلا مكان إلا الجسم أو ما يقوم به، ولا زمان إلا مقدار الحركة، ولا مادة مجردة عن الصور ... اهـ.
وقال ـ رحمه الله ـ في (بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية): هذه المادة قد ذكروا عن أفلاطون أنه قال: يمكن انفرادها عن الصورة. كما يحكون عنه نظير ذلك في المدة وهي الدهر، وفي المكان وهو الخلاء، إنهما جوهران قائمان خارجان عن أقسام العالم، وفي المثل المعلقة الأفلاطونية: المكان والزمان والمادة والصور. قول متشابه، وجمهور العقلاء يعلمون أن هذا الذي أثبته في الخارج إنما هو في الأذهان لا في الأعيان اهـ.
وقد سبق بيان معنى الفلسفة ونشأتها وحكمها وعلاقتها بالإسلام، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 15514، 16115، 64218.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني