الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذهب بعض العلماء إلى أن الطلاق لا يباح إلا عند الضرورة.
قال شمس الدين السرخسي في المبسوط: وإيقاع الطلاق مباح، وإن كان مبغضا في الأصل عند عامة العلماء، ومن الناس من يقول لا يباح إيقاع الطلاق إلا عند الضرورة لقوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله كل ذواق مطلاق. وقال صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة اختلعت من زوجها من نشوز فعليها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وقد روي مثله في الرجل يخلع امرأته؛ ولأن فيه كفران النعمة، فإن النكاح نعمة من الله تعالى على عباده قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} [الروم: 21] وقال الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران: 14] الآية وكفران النعمة حرام وهو رفع النكاح المسنون فلا يحل إلا عند الضرورة. انتهى.
فما كان لهذا الزوج أن يتعجل في إيقاع الطلاق، فإنا من خلال ما ذكرت لا نرى سببا يدعوه لطلاقك، إلا ما ذكرت من أمر الخجل. وفي الحقيقة فإن كثيرا من الناس صار يخلط بين الحياء الممدوح والخجل المذموم، وهذا خطأ فادح. فالحياء خلق جميل يعصم المرء من الوقوع في المعاصي والآثام، وقد عرفه العلماء بأنه: تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به. وهو أصل من أصول الأخلاق الفاضلة الكريمة، وشعبة من شعب الإيمان كما جاء في صحيح البخاري أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان.
وقد جاء في صحيح البخاري أيضا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم: مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: دعه فإن الحياء من الإيمان.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر . رواه الحاكم في المستدرك وقال : هذا حديث صحيح على شرطهما، قال الذهبي في التلخيص: على شرطهما أي البخاري ومسلم .
أما الخجل فهو الإفراط في الحياء كما عرفه بعضهم بأنه :حياء مفرط يدعو إلى الحيرة والاضطراب،
وهو أمر مذموم يدل على الضعف والذل بحيث يجر صاحبه إلى ترك الحق والصواب والخير خشية الناس.
فإن كان زوجك قد كره منك حياءك وأنكره عليك فهو بلا شك قد أخطأ خطأً بيناً فإن الحياء زينة للمرأة وبه تمدح ، فليس عيبا فيها أن تكون حيية.
أما إذا كان ما تعانين منه هو الخجل المذموم فما كان له أيضا أن يتعجل في الطلاق، لأنه ما من داء إلا وله دواء. والمرء مع المجاهدة والتعلم يبلغ ما يريد من الأخلاق الفاضلة، ويتخلص مما يكره من الأخلاق الذميمة، فكان على الزوج أن يمسك زوجته، وأن يكون عونا لها على تخطي محنتها وتجاوز عثرتها، فالكمال البشري ليس لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم، ومن طلب منزها من العيوب بعده فقد رام الشطط .
والشرع قد ندب إلى إمساك المرأة حتى مع بغض زوجها لها، فقال سبحانه: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً {النساء:19}.
قال ابن العربي عند تفسيره لهذه الآية: المعنى إن وجد الرجل في زوجته كراهية وعنها رغبة ومنها نفرة من غير فاحشة ولا نشوز فليصبر على أذاها وقلة إنصافها فربما كان ذلك خيرا له. انتهى.
وقال ابن الجوزي في هذه الآية: وقد ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهية لها، ونبهت على معنيين: أحدهما: أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح فرب مكروه عاد محمودا ومحمود عاد مذموما. والثاني: أن الإنسان لا يكاد يجد محبوبا ليس فيه مكروه فليصبر على ما يكره لما يحب. انتهى.
وقد أخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه، وسلم قال: لا يَفْرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر.
فالذي ننصحك به إن كان الطلاق قد وقع رجعيا، وكنت مازلت في العدة أن تحدثي زوجك بما ذكرنا لك، وتطلبي منه إرجاعك، ولا بأس بأن تقرئيه فتوانا هذه، وأن تطلبي منه أن يعاونك على التخلص من سيء الأخلاق سواء الخجل أو غيره، وأن تعديه بالسعي والمجاهدة لتحقيق ذلك ، فإن لم يفعل فعسى أن يبدلك الله زوجا خيرا منه وما ذلك على الله تعالى ببعيد .
والله أعلم.