السؤال
بناء على الفتوى: 10200 فإن العمل في أي مؤسسة تستفيد من الربا حلال، خاصة إذا كان العمل مباحا بغض النظر عن طبيعة المؤسسة حتى لو كان العمل في بنك.
أو العكس هو الصحيح فإن كل من يعمل في الحكومات صاحبة البنوك الربوية ماله حرام وخاصة من يوفر لها الدعم مثل أئمة المساجد والمفتين خاصة.
الرجاء التعليق دون التهرب من حكم الله.
نص الفتوى: 10200: والربا محرم على الفرد والمجتمع والدولة، وما جاء من الفوائد عن طريق الربا فهو مال حرام، يجب التخلص منه، لكن من عمل لدى مؤسسة حكومية تستثمر أموالها في البنوك الربوية، وكان عمله هو مباحاً، فلا حرج عليه أن يأخذ راتبه من تلك المؤسسة؛ لأنه أجرة في مقابل عمله المباح. والله أعلم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما لا شك فيه أنه لا فرق بين أن يكون المتعامل بالربا فرداً أو مؤسسة أو دولة، وأن حكم الله واحد على الجميع، وأنه لا يجوز إعانة واحد من هؤلاء على باطله ومنكره وإثمه، فلا يجوز أن يكون له كاتباً أو حارساً أو مدير مكتب أو مفتياً؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، وقال: هم سواء. رواه مسلم عن جابر، ولقول الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2}.
ولا ريب أن من عمل عندهم -ممن ذكرنا وغيرهم- في مجال الربا فهو معينٌ لهم على باطلهم.
أما العمل عند من يتعامل بالربا في غير مجال الربا، فيجوز عند الحنفية وابن القاسم من المالكية والحنابلة في قول وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، واشترطوا للجواز غلبة المال الحلال.
أما إن غلب المال الحرام، فيحرم التعامل معهم.
وذهب الشافعية وهو أحد الأقوال في مذهب الحنابلة إلى أنه يكره ولا يحرم.
قال ابن قدامة في المغني: وإذا اشترى ممن في ماله حرام وحلال كالسلطان الظالم والمرابي، فإن علم أن المبيع من حلال ماله فهو حلال، وإن علم أنه من حرام ماله فهو حرام، ولا يقبل قول المشتري عليه في الحكم؛ لأن الظاهر أن ما في يد الإنسان ملكه.
فإن لم يعلم من أيهما هو كرهناه لاحتمال التحريم فيه، ولم يبطل البيع لإمكان الحلال، قل أو كثر، وهذا هو الشبهة، وبقدر قلة الحرام وكثرته تكون الشبهة وقلتها. اهـ.
ودليل ذلك أمور:
الأول: أن الأصل في المال والتعامل به الإباحة، ولا يثبت التحريم بمجرد الاحتمال، فإذا اختلط به مال من كسب حرام كان الأولى للمسلم أن يتركه تورعاً.
الثاني: أن الاحتمال قائم أن يقع التعامل بالمال الحلال، أو أن يقع بالمال الحرام، وما كان مبناه على الاحتمال، فهو ظني ولا يجزم بحرمته؛ لأن الظاهر أن ما بيد الإنسان يكون له.
الثالث: أن المال الحرام لما اختلط بالمال الحلال صار شائعاً فيه، فإذا عامله في شيء منه، فقد عامله في جزء من الحرام، فيكون ذلك من المتشابه الممنوع على وجه التوقِّي، وما كان اجتنابه على وجه التوقي يكون مكروهاً لا محرماً.
الرابع: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتعامل مع من يَفِد إلى المدينة من الأعراب الباقين على الشرك إذ ذاك، وكذلك معاملة أصحابه -عليه الصلاة والسلام- لهم بمرأى منه ومسمع، وهم في حال جاهليتهم مرتطمون في المحرمات مرتكبون للظلم، ومن المال الذي معهم ما أخذوه ظلماً وقهراً من أموال بعضهم بعضاً، مع كونهم مستمرين على ربا الجاهلية الذي هو الربا المحرم بلا خلاف، فيقاس مال المسلم من الحرام على مال المشركين والكافرين على قول جماعة من أهل العلم.
وهذا الخلاف الذي ذكرناه إنما يتناول من تعامل مع من يتعامل بالربا في غير الربا أو ما يعين عليه.
أما التعامل بالربا معهم أو إعانتهم عليه، فلا يجوز قطعاً، ومن ذلك تأجيرهم العمائر، ووضع المال عندهم، وحراسة بيت الربا وتنظيفه، وطباعة الأوراق وتصويرها في هذا المبنى، وكل فعل من هذه الأفعال داخلٌ في قوله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة: 2}.
ونسأل الله العافية لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.