خلاصة الفتوى:
المرأة مكلفة مثل الرجل بما أمر الله به وما نهى عنه وهما سواء في الثواب والعقاب، لقوله تعالى : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .[ النحل - 97} ولا يستثنى من ذلك إلا ما نص عليه الحكيم الخبير .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فحيث إن هذا الموضوع متشعب ويكثر فيه الكلام فإننا نجمل لك الجواب في هذه النقاط:
أولا : اعلمي أن هذه الأفكار قد يكون سببها الإصغاء لما يلقيه وينشره أعداء الإسلام، وما كانت لتراودك لولا أنها صادفت منك آذانا صاغية مع قلة علم ودراية بحقيقة هذه الشبهات وأنهم إنما يهدفون من ورائها صد المسلمين عن دينهم وتشكيكهم فيه.
ثانيا : اعلمي أن مثيري هذه الشبهات أحد قسمين مبغضين للإسلام كارهين لأهله يريدون ليصدوهم عنه بتشكيكهم في أحكامه، أو هم مجرد جهلة مقلدين يتبعون كل ناعق .
وثانيا: فإنه يجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يتفقه في دينه ويتعرف على كيد أعدائه ليسد الباب على هؤلاء وأولئك. قال تعالى: وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ {الأنعام:55}.
ثالثا : قد سبق أن بينا اعتناء الشرع بالنساء ؛ حيث أوصى بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : استوصوا بالنساء خيراً. رواه البخاري.
وقوله: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي وغيره .
وقال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء: 19} .
وبينا أن كفران العشير الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المتصفات به من النساء دخلن بسببه النار لا يدل على تخصيص النساء بذلك ولا على أن كفران النعم في حق الرجال أخف، بل الاتصاف بتلك الصفات سبب من أسباب دخول النار لا فرق في ذلك بين المرأة والرجل .
وبينا أن الإحسان إلى المرأة وإكرامها معدود في الشرع أمارة على خيرية الرجل ونبله وحسن خلقه وقوة إيمانه، وغير ذلك مما يبين عناية الإسلام بالمرأة وتقديره لها .
فراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 55986، 3661 ، 16032، 57338 .
رابعا : أما ما قد يقال إن انحراف الشباب سببه النساء فلا يصح حصر السبب في ذلك بل عوامل الانحراف كثيرة ومنها ما يكون الشاب نفسه سببا فيه، وهم غير معذورين بضلال من ضل من النساء، وواجبهم البعد عن فتنتهن بكل سبيل - كما ذكرت - كما أن واجب النساء الاستقامة في أنفسهن كذلك والبعد عن الفتنة بالرجال أو لهم ..
ولذا قال عز وجل: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ { النــور:30}...
ثم عقب هذه الآية بقوله: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ {النــور:31}
يقول ابن الجوزي: النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ فَكَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعْجِبُ الرَّجُلَ، فَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يُعْجِبُ الْمَرْأَةَ ، وَتَشْتَهِيهِ كَمَا يَشْتَهِيهَا، وَلِهَذَا تَنْفِرُ مِنْ الشَّيْخِ كَمَا يَنْفِرُ الرَّجُلُ مِنْ الْعَجُوزِ.اهـ . ذكره عنه السفاريني في الآداب الشرعية.
خامسا: ليس من العدل والإنصاف أن يعمم الحكم على النساء بأنهن أو حتى أكثرهن فاسقات أو منافقات بل كثير من النساء أفضل من كثير من الرجال .
والعبرة بتقوى الله عز وجل وعمل الصالحات، قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ {الحجرات:13}
سادسا : ما ورد من لعنة من تغضب زوجها وتمتنع عن فراشه لا يعني أن الرجال معصومون من مثل هذه اللعنة لمثل هذا السبب أو غيره، لكن لما كان فعل المرأة لهذا الأمر يفتح على الرجل باب شر مستطير احتيج للتنبيه عليه ، خاصة وأن شهوته في هذا ليست كشهوة المرأة .
قال ابن نجيم الفقيه الحنفي في البحر الرائق : وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّنْصِيصِ عَلَى الْحُكْمِ فِي الْمَرْأَةِ ، فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ ثَبَتَ لِلرِّجَالِ ثَبَتَ لِلنِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهُنَّ شَقَائِقُ الرِّجَالِ إلَّا مَا نُصَّ عَلَيْهِ . قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى : الْأَصْلُ فِي النِّسَاءِ أَنْ لَا يُذْكَرْنَ ؛ لِأَنَّ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السَّتْرِ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرْنَ فِي الْقُرْآنِ حَتَّى شَكَوْنَ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى { إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ } إلَّا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مَخْصُوصًا بِهِنَّ .اهـ
سابعا : ليس المراد من قوله تعالى إن كيدكن عظيم مطلق الذم بل قد يكون فيه شيء من المدح، إذ ظاهر الآية يفيد تمكن النساء من تحقيق ما يردن وقد يكون ذلك في الحق كما يكون في غيره .
وقد قال القرطبي في تفسيره : وإنما قال عظيم لعظم فتنتهن واحتيالهن في التخلص من ورطتهن. اهـ
والأول يرجع لشدة تعلق الرجال بجمالهن وحسنهن والثاني يرجع لذكائهن وحيلتهن .
وفي تفسير أبي السعود والبيضاوي قالا: فإن كيد النساء ألطف وأعلق بالقلب وأشد تأثيراً في النفس. اهـ .
ثامنا: ما دمت مؤمنة بالله ورسوله فلا ينبغي أن تشكي في شيء من ذلك ، كيف وأنت تقرئين قوله تعالى: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا {الكهف:49}.
وقوله تعالى: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ {فصلت:46}.
وقوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ {النساء:40}،
و قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ {النحل:90}..
وغير ذلك من آيات كثيرة وأحاديث .
ويكفيك قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني: إن النساء شقائق الرجال ..
يعني الأصل أن الفريقين سواء في الأحكام وفي الثواب والعقاب.
قال الطبري في تفسيره عند قوله : فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ...عن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله، تُذكر الرجال في الهجرة ولا نذكر؟ فنزلت: أنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى. الآية.
قال محققه الشيخ احمد شاكر رحمه الله: هذا إسناد صحيح... والحديث مروي على أنه سبب في نزول هذه الآية وتلك ( يعني آية الأحزاب التالية ) ؛ فرواه الحاكم في المستدرك..عن مجاهد، عن أم سلمة، قالت: قلت: يا رسول الله ، يذكر الرجال ولا يذكر النساء؟ فأنزل الله عز وجل: إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات. الآية ، وأنزل: أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. اهـ.
والخلاصة مما سبق أن المرأة في الإسلام مكلفة مثل الرجل بما أمر الله به وما نهى عنه، وأن جزاءها مثله، كما قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل: 97} .
ولا يستثنى من ذلك إلا ما نص عليه الحكيم الخبير الحكم العدل الحق المبين، ولا يسع المؤمن إلا التصديق بمحاسن الشريعة والايمان بعدل الله المطلق ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم
والله أعلم.