السؤال
أنا صاحب السؤال رقم 2156418 جزاكم الله خيراً على الإجابة عن هذا الكم الهائل من الأسئلة وأسأل الله لكم التوفيق والسداد.. وأرجو منكم سعة الصدر، أما عن جوابكم فلي عليه تعقيب:1- القول بأن الاجتماع كان قبل نزول الحجاب، وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم، فهو قول يحتاج لدليل التاريخ.
2- وجود قول بجواز إبداء أعضاء الوضوء وبعض الأحاديث الضعيفة في استثناء الذراع -هذا لا يعني الاحتجاج بها وإنما وجودها علامة على وجود قائل بها- يبطل القول بأن الإجماع وقع على قولين وهما الحجاب الكامل، واستثناء الوجه والكفين، والقدمين كذلك عند الأحناف... هذا إن صح القول بأنه لا يجوز إحداث قول ثالث، وهنا القول الثالث موجود أصلا لذا القاعدة خارج محل النزاع، فأرجو الإجابة على النقطتين السابقتين؟ وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالقول بأن الاجتماع كان قبل نزول الحجاب، وأنه بعده يختص بالزوجات والمحارم، ليس من قولنا نحن، وإنما هو قول الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه لصحيح البخاري، إذ قال رحمه الله: والأولى في الجواب أن يقال: لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب، وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم..
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الدليل لا يلزم أن يكون بتحديد التاريخ، ولو كان الأمر كذلك لما وجد الدليل لكثير من الأحكام الشرعية، وأما الدليل هنا فإنه معلوم من أن الأمر بالشيء نهي عن ضده.
يقول صاحب مراقي السعود:
والأمر ذو النفس بما تعينا * ووقته مضيق تضمـنا
نهيا عن الموجود من أضداد * أو هو نفس النهي عن أنداد
فإذا عُلم أن الله تعالى قال في كتابه العزيز: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الأحزاب:59}، وقال جل من قائل: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:30-31}.
نقول: إذا علم هذا عُرف أن اجتماع الرجال مع النساء الأجنبيات للوضوء من إناء واحد لم يعد مشروعاً لاستحالة الجمع بين إبقاء جميع الأعضاء الواجب سترها مستورة عن أعين من لا تجوز له رؤيتها، وبين ما يقتضيه الوضوء من انكشاف الأعضاء المغسولة والممسوحة.
وأما قولك بأنه يوجد قول بجواز إبداء أعضاء الوضوء، وأنه توجد أحاديث ضعيفة باستثناء الذراع، وأن هذا يبطل القول بأن الإجماع وقع على قولين وهما: الحجاب الكامل، أو استثناء الوجه والكفين، أو مع القدمين عند الأحناف، فجوابه: أولاً: أن مجرد وجود قول في مسألة لا ينفي كونها مما قد أجمع عليه، فليس كل قول يعتبر مانعاً لانعقاد الإجماع، وإنما المعتبر أقوال المجتهدين من أهل العلم.
قال في مراقي السعود معرفاً للإجماع:
وهو الاتفاق من مجتهدي * الأمة من بعد وفاة أحمد.
كما أن أصحاب الابتداع ممن يُكَفرون ببدعهم لا يعتبرون في الإجماع، قال:
وكل من ببدعة يكفر * من أهل الأهواء فلا يعتبر.
ثانياً: أنه لا يليق بمن هو مثل السائل الكريم -والظاهر أنه طالب علم- أن يستدل على عدم انعقاد الإجماع بالأحاديث التي يصرح هو نفسه بأنها ضعيفة.
ثالثاً: أننا لم نعرف من أين أخذت ما أخذته على إجابتنا على السؤال الذي بينت رقمه، لأنه -في الحقيقة- لم يرد في جوابنا شيء مما ذكرته في موضوع الإجماع.
والله أعلم.