نصائح وتوجيهات لفتاة داعية في بلاد الغرب تعاني سوء معاملة أهلها ولجوء الآخرين إلى استفتائها
2022-09-05 02:24:30 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أرجوكم اهتموا بأمري فإني أعاني كثيراً غربة بين أهلي وأحبابي تزداد يومياً، إني ككل البشر مليئة بالعيوب وأخطائي كثيرة، ولولا ستر الله علي لافتضح أمري بين خلق الله، ولكن أسعى وأحاول التقرب من الله، في أثناء ما أقوم بنصح غيري -وخاصة أهلي- بما أعرف ألاقي الأمرّين، وأكثر ما يؤلمني أنهم يبحثون في أخطائي حتى يردوا على نصائحي، الأمر الذي جعلني أتراجع وأنكمش على نفسي؛ لأن الوضع معقد جداً مع عائلتي، ولعل ما ابتلاني به الله هو انعدام صديقة مثقفة في دين الله تزيد من معارف وحبي لديني، حيث أظهر بين أصحابي أني أكثرهم معرفة بأمور الدين، فيلتجئون إلى سؤالي كلما أرادوا استيضاح أمر ما، وأجيب بما عرفته أو أبحث لهم عن الإجابة في مثل موقعكم، إني متألمة جداً لمعاملة أهلي، حيث إني لا أصلح إلا لإعطاء المال والقيام بشئونهم، أما غير ذلك فأنا متهمة بالغطرسة والتجبر!
أرجوكم ساعدوني، الأمر مؤلم والغربة بين الأهل قاسية جداً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ Hawa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإنا نعتذر بداية عن تأخر الرد، فنسأله تبارك وتعالى أن يغفر لنا ذلك، وذلك لظروف خارجة عن إرادتنا، وإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك (الشبكة الإسلامية)، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع.
ويسرنا حقيقة في الشبكة الإسلامية أن تتصلي بنا دائماً أبداً وأن تجعليننا من إخوانك ورفاقك الذين تلجئين إليهم عند الحاجة والملمات، فنحن دائماً على استعداد لاستقبال أي سؤال أو استفسار في أي وقت وفي أي موضوع.
ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك فيك وأن يثبتك على الحق وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يجعل لك من لدنه ولياً ونصيراً، وأن يجعل لك على الخير أعواناً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
بخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإنه كما لا يخفى عليك أن الإقامة في بلاد الغربة أمر مؤلم حقاً وأمر مزعج صدقاً؛ لأن الإنسان هناك يعيش في بيئةٍ غير البيئة الطبيعية التي ينبغي أن يعيش فيها، وإن كان هذا لا يمنع أو لا ينفي وجود بيئات إسلامية قامت هناك وأصبحت الآن في حال أفضل من كثير من البيئات الإسلامية التي توجد في بلاد الإسلام الأصلية، إلا أنه في العموم أمثالك يعانون بكثرة، خاصة إذا كان العبء عليهم ثقيلاً، إذ إنهم يظن بهم الخير وأنهم على علم وصلاح واستقامة، وذلك نتيجة الظاهر الطيب، وأيضاً الاهتمام بقضايا الدين، في حين أن الواقع والأمر على خلاف ذلك، وهذا يُخشى منه حقيقة فعلاً أن الواحد منا قد يتكلم فيما لا يعلم وقد يُفتي فيما لا يجوز له أن يُفتي فيه، وقد يتعجل نقل الكلام نتيجة فهمه القاصر على غير وجهه الصحيح، وهذا خطر عظيم؛ لأنه -كما هو معلوم- من أصول الكبائر، كما قال الله - تبارك وتعالى - : ((وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ))[البقرة:169].
هذه فعلاً مشكلة يعاني منها الكثير من الأخوة والأخوات في بلاد المهجر، حيث إنهم كما ذكرت يُبتلون بضرورة الكلام عن الإسلام؛ لأن الناس يحتاجون إلى حل مشكلاتهم اليومية، وإذا ما رأوا أختاً ملتزمة أو أخاً ملتزماً في الظاهر فهم يظنون أنه شيخ أو أنها شيخة أو أنها عالمة كبيرة، وبذلك يوجهون إليها الأسئلة التي تثقل كاهلها، وهذا الأمر مهلك؛ لأن بعض الأخوات قد تضطر أن تتكلم وتحاول أن تسدد وتقارب على قدر ما تستطيع، ولكنها تفاجأ بأنها قد تقول على الله تبارك وتعالى بغير علم، وقد تفتي في مسائل غير صحيحة فتأتي لتصلح فتفسد وهي لا تدري.
ولذلك نصيحتي لك - بارك الله فيك – ضرورة عدم الكلام في أي مسألة إلا إذا كنتِ متأكدة منها، وأقول لك: نحن في الموقع على استعداد أن ترسلي لنا أي سؤال مهما كان وإن شاء تعالى أعدك بأننا وإخواننا معنا في الموقع سوف نجيب عليك عاجلاً حتى نسهل لك مسألة الدعوة؛ لأنك الآن في مقام الداعية، فأنت الآن قد هيأ الله لك الظروف من ثقة الناس بك خارج إطار الأسرة وحرص الناس على أن يتعلموا منك، ووجودك وحيدة بين هذا المجتمع وعدم وجود أخت صديقة مثقفة واعية تعينك على طاعة الله تعالى، فالأمور أمامك حقيقة عظيمة جدّاً، وعليك مسئولية كبيرة، فأقول:
نحن في خدمتك في الموقع في أي سؤال، إذا شعرت بأنك لا تجدين إجابة وافية أو كافية فالرجاء ألا تتكلمي، وعليك بإعطاء مهلة وتقولين: (سوف أبحث في هذه المسألة مع المشايخ أو مع العلماء أو مع الدعاة)، وتكتبي رسالتك - إن شاء الله تعالى – وإخواننا في مركز الفتوى على استعداد للإجابة على الأسئلة، ونحن هنا أيضاً على استعداد بإذن الله تعالى، وبذلك تخرجين نفسك من الحرج الشرعي؛ لأن الأولى لك ألا تتكلمي أبداً ما دمت لا تعلمين الحكم الشرعي، مخافة أن تأتي لتصلحي فتفسدي وأنت لا تشعرين.
أما عن موقف أهلك تجاهك فمع الأسف أن العرب قالوا قديماً: (إن شاعر الحي لا يطرب)، حتى وإن كنتِ ليست لديك أخطاء يأخذونها عليك، فإنه دائماً أهل الداعية هم أبعد الناس عن الاستجابة لدعوته في العموم، ولذلك حتى النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام كما تعلمين أرسل في مكة، أرسل بين أعمامه وبين أخواله وبين عماته وبين خالاته وبين أبناء أعمامه وأخواله، ورغم ذلك ما آمن الكثير منهم، بل إنه كما تعلمين أن أبا لهب عم النبي عليه الصلاة والسلام مات مشركاً، وأبو طالب عم النبي عليه الصلاة والسلام مات مشركاً، رغم أن أبا طالب رأى الحق ورأى النور واضحاً وقامت لديه الأدلة واضحة على صدق النبي عليه الصلاة والسلام بل إنه هو الذي قال: (لقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية ديناً).
ورغم ذلك ما آمن، فكثير من أهل النبي عليه الصلاة والسلام ماتوا على الكفر ولم يؤمنوا به، بل إنهم أنكروا أن تكون الدعوة خاصة بهم ولم تنزل على رجل من القريتين عظيم، يعنون مكة والطائف؛ لأنهم يرون أن العظماء عندهم هم العظماء في المال والجاه والسلطان الظاهر، لا يرون أن العظماء هم العظماء في الأخلاق والقيم والمبادئ.
إذن: أقول: هذا شيء طبيعي أن أهلك ينفرون منك ويقفون ضدك، ولكن أتمنى - بارك الله فيك – أن تستقبلي هذه الردود السلبية بردود إيجابية، بمعنى أنك تجتهدين إذا كانوا يتهمونك بالغطرسة والتكبر فحاولي قدر الاستطاعة أن تجتهدي - بارك الله فيك – في التواضع وفي الإحسان إليهم وفي إكرامهم وفي الصبر عليهم وفي الدعاء لهم، ولا تجعلي هذا الموقف السلبي من أهلك يؤثر على حياتك كلياً؛ لأن هذا الموقف كما ذكرتُ ليس موقفاً غريباً وهو موقف عادي جدّاً، فكما ذكرتُ لك مقولة العرب: (شاعر الحي لا يطرب)، فلو أن أي أحد يأتي من مكان آخر إلى مكان لوجد هناك من يقبل منه، أما في أهله فغالباً قد يجد هذه المعوقات وأكثر منها.
فأرجو - بارك الله فيك – ألا تقفي طويلاً على موقف أهلك، ولكن حاولي أن تردي السيئة بالحسنة وأن تدفعي الإساءة بالإحسان، وأن تجتهدي في إكرامهم والإحسان إليهم، ما دام الله تبارك وتعالى قد أكرمك ووسع عليك، فاجتهدي في ذلك، وحاولي ألا تعامليهم ككيان واحد، وإنما اجتهدي في الاجتهاد عليهم فرداً فرداً، يعني: انظري إلى أقربهم منك وإلى أكثرهم تودداً وتعاطفاً معك وإلى أقلهم حدة عليك وابدئي في الكلام معه فرداً، سواء كان ذكراً أو أنثى، واحداً واحداً؛ لأنك لو تكلمت معهم ككتلة فالشيطان يجعلهم جبهة تقف في وجهك، أما لو تكلمت معهم كأفراد فمن الممكن - إن شاء الله تعالى – أن يستجيبوا لذلك.
فابدئي هذه الدعوة الفردية وأنا واثق أنك سوف تكسرين هذه الجبهة السيئة وسوف تتحول - إن شاء الله تعالى – إلى جبهة صالحة، وأوصيك بالصبر؛ لأن هذه الدعوة ليست أمراً سهلاً، فهي وظيفة الأنبياء والمرسلين، وليس كل أحد يصلح لها، وما دام الله قد هيأك لهذا الأمر والناس يحسنون الظن بك خاصة خارج إطار الأسرة فأرجو - إن شاء الله تعالى – أن تثبتي، وأن تعلمي أن قضية تغيير الناس ليس سهلاً، فمن السهل جدّاً أن أغير ملابسي دون ملابس أخرى، أو أغير ديكور المنزل أو أغير السيارة، ولكن من الصعب أن أغير سلوك إنسان خاصة إذا عاش فترة طويلة في لحظات الضياع وعدم الالتزام وغير ذلك، فاصبري وصابري وتوجهي إلى الله بالدعاء أن يصلح الله لك أهلك، وتوجهي إليه بالدعاء أن يعلمك وأن يفقهك، وتوجهي إليه بالدعاء أيضاً أن ينفع بك غيرك من أخواتك المسلمات اللواتي يتوجهن إليك بالأسئلة والاستيضاحات والاستفسارات، ونحن معك قلباً وقالباً، ولذلك أرجو ألا تضعفي أبداً، وألا تشعري أنك وحدك، وإنما وراءك إخوة وأخوات كثر يقفون معك - بإذن الله تعالى – يدعمونك بالجانب العلمي ويدعون لك بقلوبهم وألسنتهم أن يثبتك الله وأن يوفقك الله، وأن يحفظك الله، وأن يفتح بك وأن يفتح عليك، وأن يجعلك من الصالحات القانتات العابدات الداعيات الكبيرات التي تترك أثراً في هذه البلاد وتقوي شوكة الإسلام في هذه الغربة.
أسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد، وأن يأخذ بناصيتك إلى الحق دائماً، وألا يحرمك الأجر والمثوبة.
هذا وبالله التوفيق.