أعيش في صراعات عائلية مع مرضي أثرت على نظرتي للحياة، فما توجيهكم؟
2017-08-22 01:55:55 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة أبلغ من العمر 27 سنة، متخرجة من الجامعة، أعيش في صراعات داخلية مع نفسي، وأعيش صراعات أهلي اليومية.
أبدأ بأهلي حيث أننا منذ صغرنا والشجارات يوميا لا تنتهي، والآن حتى بعد وفاة أبي مازالت تلك الشجارات بين أخواتي البنات، الغيرة والكره والحقد تملأ بيتنا، حتى صار الانقطاع بيننا لا نتكلم مع بعضنا، ولا نجلس على طاولة واحدة، أغلب أفراد عائلتي لا يصلون، وإن صلوا يوما يتوقفون دهرا، لا أستطيع النصح، فلا يحق لي التدخل في أمورهم، أحس بأن عينا قد أصابتنا بسبب تفوقنا في الحياة العلمية والعملية، فالكل يحسدنا على ذلك، هل من نصيحة لهذه المشكلة التي أرهقت عقلي ونفسي؟
أما عن نفسي ففي خضم هذا الجو صرت بعيدة جدا عن الله، أصلي بجسد بلا روح! كرهت الحياة، لا طموح ولا أمل يملآن قلبي، مات قلبي، وأحاول إحياءه لكن دون جدوى، أحس بالفراغ الروحي، فحتى حين أسمع القرآن لا أتأثر كثيرا.
كنت فتاة مثابرة طموحة، أحفظ القرآن، وأدرس جيدا، غير أن كل شيء تغير، لا أحس بطعم للحياة، ولا فائدة من بقائي فيها، خصوصا بعدما مرضت بالتهاب الكبد ب، وصار مزمنا مما أحبطني، حتى الزواج محوته من عقلي؛ لأنه كانت لي تجربة سيئة بسبب مرضي، فلقد قبل بي أحدهم وبمرضي، ولكن في الوقت الذي من المفروض أن يتقدم لأهلي فاجأني برفضه لي بسبب مرضي، فبعد هذا اعتبرت أن كل من يتقدم لي سيكون نفس الشيء، وبهذا أصبحت في دائرة مغلقة، لدي امتحان مصيري بعد مدة قصيرة، لا أستطيع الدراسة لأني أرى بأنه لا فائدة من ذلك، فحياتي انتهت، وحتى حالتي الصحية تدهورت، فأنا ضائعة!
أرجوكم اعتبروني ابنتكم أو أختكم وانصحوني، فأنا شخص كتوم لا أحب أن أقلق أهلي بمشاكلي، وبارك الله فيكم ووفقكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فتاة ضائعة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأود أن أنقل لك بشارة كبيرة، وهي أن التهاب الكبد B إلى درجة كبيرة جدًّا يمكن المساعدة من خلال المتابعة مع الطبيب المختص في أمراض الكبد، وهنالك أدوية واقية تُعطى في حالة الزواج، ليس هنالك أي إشكالية في هذا الأمر، مَن يتقدَّم لك سوف يُعطى نوعًا من اللقاح والتحصين المعيَّن الذي يمنع تمامًا نقل هذا المرض إليه، وفي حالتك أيضًا سيكون المرض -إن شاء الله- خاملاً تمامًا.
فليس هنالك ما يدعوك للإحباط، عليك أن تكوني أكثر قناعة وصبرًا وتوكلاً، وتسألي الله تعالى أن يعطيك أعلى مراتب القبول بهذا الابتلاء البسيط. هذا من ناحية.
من ناحية أخرى: الله تبارك وتعالى حباكم بالتفوق العلمي، وهذه نعمة عظيمة، يجب أن تُستغل -على الأقل من جانبك- الاستغلال الإيجابي، ويجب أن تكون نقطة انطلاق حقيقية لك في الحياة.
الأمر الثالث: أنت تحدَّثت عن الصراعات الموجودة في أسرتك، وأن البيئة الحياتية الأسرية سلبية من نواحي كثيرة، هذا موجود في أسر كثيرة، لكن إذا نظرت بدقة شديدة سوف تجدين أيضًا أن هنالك بعض الإيجابيات في أسرتك.
أنا أعرف أن العلاقات الأسرية هي علاقاتٍ إجبارية -أي لا مناص منها ولا يستطيع الإنسان أن يُغيِّر بيئته الداخلية- لكن بالرغم من ذلك يمكن أن تكوني أنت شعلة الأمل وسط أسرتك.
حاولي أن تكوني دائمًا المُصلحة، أسدي الكلام الطيب لهم، إن أخذوا بذلك فخير وإن لم يأخذوا به اليوم فسيأخذون به غدًا، واجعلي كل أفعالك وتصرفاتك إيجابية، خاصة أمام أفراد أسرتك، واحرصي على صلاتك، وارتقي بصلاتك، وارفعي مستوى الخشوع فيها، هذا مهم جدًّا، بمعنى آخر: أريدك أنت أن تكوني قدوة داخل المنزل، دون أن تُناقشي أفراد أسرتك حول سلوكياتهم السلبية. أنا متأكد أن الدفع الإيجابي السلوكي من ناحيتك سوف يجعلك أنت المثال والقدوة داخل المنزل، والناس سوف تتأثر بك، وأقصد بالناس أفراد أسرتك.
وفي ذات الوقت -حتى يحدث لك التدعيم الذاتي- لا بد أن تربطي أكثر بالبيئة الخارجية، البيئة خارج منزلك، يعني مثلاً: تكون لديك صداقاتٍ من فتيات صالحات ومتميزات، أن تنخرطي في دراسات عُليا، أن تذهبي إلى أحد مراكز حفظ القرآن، هذه المراكز فيها سند كبير للإنسان، السند النفسي والمعنوي والاجتماعي، وذلك بجانب -إن شاء الله تعالى- الأجر والثواب. انضمي لجمعية خيرية أو ثقافية أو دعوية.
بهذه الكيفية تكوني قد قمتِ بدعم كبير لبيئتك النفسية الداخلية، وكذلك الخارجية، وهذا يقوي منك سلوكيًا ومعنويًا ونفسيًا ومعرفيًا، وبهذه الكيفية وهذه الطريقة تكوني قد استفدتِ تمامًا من كل طاقاتك ومهاراتك النفسية المعطلة والمكبوتة، واعلمي -أيتها الفاضلة الكريمة- أن الله تعالى قد حبانا وأعطانا ورزقنا إمكانيات كثيرة وخبرات عظيمة ومقدراتٍ لا حدود لها، قد تكون مختبئة، قد تكون مُجمَّدة، قد تكون معطَّلة، متى ما استشعرنا هذه الحقيقة يمكننا إخراجها لنتغيَّر، واعرفي أن التغيير يأتي مِنَّا، {إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيِّروا ما بأنفسهم}.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد، ونشكرك على الثقة في إسلام ويب.