السؤال
ماذا أفعل مع زميل لي في العمل يتصيد لي الأخطاء وينقلها للمدير المباشر، ويتهمني بأشياء لم أفعلها، ويريد أن يقطع رزقي من العمل، ويكتب شكاوى باسمي ويقدمها ليوقع بيني وبين المدير.
ماذا أفعل مع زميل لي في العمل يتصيد لي الأخطاء وينقلها للمدير المباشر، ويتهمني بأشياء لم أفعلها، ويريد أن يقطع رزقي من العمل، ويكتب شكاوى باسمي ويقدمها ليوقع بيني وبين المدير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو نور حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - العلي الأعلى - بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يصلح ما بينك وبين زميلك، وأن يقيك شره وأن يرد كيده إلى نحره، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل- من أن لك زميلاً في العمل يتصيد لك الأخطاء وينقلها للمدير المباشر ويتهمك بأشياء لا تفعلها، ويريد أن يقطع رزقك، ويكتب شكاوى باسمك ويقدمها للمدير ليوقع بينك وبين المدير إلى غير ذلك.
أقول لك أخي الكريم الفاضل: اعلم بداية أن كلمة قطع الأرزاق ليست صحيحة؛ لأن الأرزاق ليس لها لون ولا طعم ولا ريح حتى يستطيع الإنسان أن يقطعها، فهي ليس لها لون حتى نعرف لونها فنحول بينك وبينها، وليس لها طعم حتى يتذوقها الناس فيمنعونك منها، وليس لها ريح حتى تُشمّ، وإنما هذا بينك وبين الله تعالى، والله جل جلاله - أخي الكريم أبو نور – جعل الأرزاق عنده في السماء، ورزقك يتنزل يومياً من السموات إلى الأرض، فأنت الآن رزقك ينزل في هذا اليوم، أما رزقك في غد فلم ينزل بعد من السماء، وما دام لم ينزل فلا يستطيع أحد أن يمنعه، نعم هو قد يسعى لفصلك من عملك ولكن لا يستطيع أن يقطع رزقك؛ لأن كثيراً من الناس قد يفصلون من أعمالهم ويمنَّ الله عليهم بأعمال أفضل من هذه الأعمال، إلا أن الناس بطبيعتها لا تحب التجارب وتخاف من عدم توفيق المستقبل، وكثير منا راضون بما هم عليه من أعمال ويقولون: الذي نعرفه أفضل من الذي لا نعرفه، وقد يكون منسجماً مع عمله وقد يكون يحبه، وقد يكون بحث وتعب حتى وصل إليه، فهو حريص عليه، إلى غير ذلك، هذا كله حق.
ولكن اعلم يقيناً - بارك الله فيك – أنه لا يمكن لكائن من كان أن يقطع رزقك أبداً؛ لأن رزقك بيد الله تبارك وتعالى وحده، ولذلك قال تعالى: (( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ ))[الذاريات:22]، لم يقل: في الأرض، فالرزق ليس في الأرض حتى يُقطع وإنما في السماء. هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني فيما يتعلق بهذا الزميل: أتمنى - بارك الله فيك – أن تحاول أن تتودد إليه وأن تتقرب منه، وأن تسأله عن السبب في هذا الموقف الذي يقفه منك، قد يكون دافعه الحقد وقد يكون دافعه الحسد، وقد يكون دافعه الحرص على المصلحة العامة، فأنت تعرف طبيعة هذه المواقف، فحاول أن تأخذ له هدية، زجاجة طيب مثلاً، أو قلماً جيداً أو غيره، وقل له: هذه هدية بمناسبة العام الدراسي الجديد، بمناسبة عيد الفطر، إذا كان ولد من الأولاد نجح، المهم أنك تستغل أي فرصة عنده وتحاول أن تقدم له هذه الهدية.
وتحاول أن تتقرب منه لتعرف السبب، أنت لا تخافه وإنما تعرف السبب في هذا الموقف، لماذا يقف منك هذا الموقف العدائي؟ ولماذا يتصيد لك الأخطاء؟ هل يخشى منك مثلاً على مستقبله هو؟ هل يخشى مثلاً منك أن تهدد مستقبله فيريد أن يتخلص منك؟ هل أنت عقبة في طريقه؟ بمعنى أنك أنت أعلى منه درجة فيريد أن يتخلص منك ليكون مكانك، لابد أن هناك دافعاً، وأنت تعلم أنه لا يوجد شيء في هذا الكون إلا ووراءه دافع، أي سلوك سواء كان طبيعياً أو غير طبيعي، سواء كان حقاً أو باطلاً وراءه دافع أدى إليه، فأنا أريدك أولاً أن تتعرف على الدافع، ما هي الدوافع التي جعلت هذا الزميل يقف منك هذا الموقف.
وإذا عرف السبب بطل العجب، قد تكون أنت أخطأت إليه مرة، أو أسأت التصرف مرة، فإذا كان الأمر كذلك فيعالج فاعتذر له، وحاول أن تعالج هذا الخطأ حتى تعيش آمناً بعيداً عن هذا الرعب الذي يشكله لك الأخ؛ لأنه قطعاً يزعجك، وقطعاً هذا الكلام حتى وإن كان المدير لم يقبله في المرة الأولى فقد يقبله في المرة الثانية، فحاول أن تتعرف عليه ولا تتعرض لهذا الكلام في أول الأمر، وإنما اجعل المسائل كما لو كانت عادية، واستغل أي مناسبة وحاول أن تقدم له هدية بمناسبة أن ابنه نجح أو ابنته وضعت أو هو حصل له أي أمر مهم أو نجاة من مصيبة أو أي شيء، فقدم له هدية بهذه المناسبة، ثم بعد ذلك حاول أن تتكلم معه ليعرفك عن قرب، فقد يكون قد فهمك خطأ، وحاول أن تعرفه أيضاً أنت كذلك عن قرب، لعلك فهمت تصرفاته خطأ وقد لا يكون هو كذلك.
فإذا عرفت أنه فعلاً صاحب كيد ودس وخديعة ومكر، وأنه فعلاً مريض حقيقة فمن الممكن أن تتقدم للمدير وأن تتكلم معه أنت مباشرة، تقول له: إني لمست أو لاحظت أن فلاناً هذا يكرهني وأني بيني وبينه عدم صفاء وعدم جو نقي طبيعي، وخفت أن يشوه صورتي أمامك، ولكن أنا أتمنى إذا ما تقدم لك بشكوى ضدي أن تسألني؛ لأنه قد يكون هذا الكلام مجرد افتراء وكذب وليس له حقيقة.
وقل له: أنا واثق في عدلك. وحاول أن تكلم المدير كلاماً رائعاً تشعره أيضاً بأنك تثق فيه وتثق في عدله وتثق في أمانته، وتثق في إنصافه، وأن مثله لا يُخدع، وهذا الكلام أعطه رسائل إيجابية حتى تأمن شره أيضاً، فقل له: أنا أثق في عدلك وأعلم أنه لم يظلم - بإذن الله تعالى – أحد في وجودك، وأعلم أنك - بإذن الله تعالى – تعرف الحق من الباطل، ولكن أنا لي رجاء إذا ما تقدم ضدي أي شيء أن تستدعيني وأن تكلمني، وأنا إذا كان كلامه حقاً فلك أن أفعل ما تريد، أما إذا كان كلامه غير حقيقي فأنا أتمنى أن تنصفني منه.
بذلك تكون قد أخذت بالأسباب البشرية، ثم بعد ذلك يأتي فوق ذلك الدعاء إلى الله تعالى أن يكفيك شر هذا الزميل الجائر الذي يتصيد لك الأخطاء، ادع الله تعالى وأكثر من الدعاء، واعلم أن الله - تبارك وتعالى - قادر على أن يعافيك من هذا البلاء أو أن يصرف كيده عنك، وأن يرد كيده إلى نحره وأن تخرج من هذا المنعطف كله وأنت سالم بإذن الله تعالى.
أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأسأله تعالى أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن ينجيك من هذا الحقد وذاك الحسد، وأن يجعلنا وإياك وسائر المؤمنين من عباده الصالحين، ومن الآمنين المطمئنين، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.