الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفكار الكفر المزعجة لا تتوقف وحالتي النفسية غير مستقرة!

السؤال

في رمضان قبل العشر الأواخر أتتني أفكار بأني كفرت، وشعرت بأني ارتكبت السبع الموبقات رغم أني لم أفعلها، وأني منافقة، وأصبت بخوف شديد، وبعدها مرضت بفقر الدم والملاريا، وغيرها من الأمراض.

وكنت أتذكر أني كنت غير مهتمة بديني، وتعاملي مع الناس، وتأتيني أفكار بأن هذا المرض عقوبة من الله على تقصيري، وأني سأموت وأدخل النار؛ لدرجة أني اغتسلت ونطقت الشهادة مرتين، ولكن حتى الآن أشعر بأني لست على دين الإسلام، لكني أصبحت مداومة على الأذكار وقراءة القرآن، وأحلم بالأحلام المزعجة كثيراً.

لا أريد أن أغضب الله، لكن الأفكار المزعجة لا تتوقف، وحالتي النفسية غير مستقرة، وأشعر بأني لا أفهم مشاعري، وعندما أقرأ نواقض الإسلام أشعر بخوف شديد، وأشعر بأني ارتكبت أحدهما، ولكني أصبحت أكثر من الدعاء.

أنصحوني، ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Reela حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الأحاسيس التي راودتك والمشاعر السلبية التي هجمت عليك ليس لها أساس من الصحة، فأنت والحمد لله فتاة مؤمنة بالله فلا تقلقي، ولا يضطرب فؤادك من تلك الوساوس التي لا دخل لك بها، فلا أنت كفرت بالله، ولا فعل الموبقات وإن كثرت موجب للكفر ما دمت تعلمين أن لك رباً يغفر ذنوب من وقع في المعاصي، ويتقبل توبته، وقد أتاك الشيطان فجعل الأباطيل حقائق حتى أوهمك بالضلال فظننتيه حقًا، فاطمئني -أختنا الكريمة-.

ثانيًا: ما تمرين به من وساوس مر فيه كثير قبلك، وكثير بعدك، فهي وسيلة الشيطان للإغواء، فلا تظني نفسك هالكة، أو أنك الوحيدة التي وقعت في ذلك، بل كما ذكرنا تلك وسيلته مع الشباب الصالح.

ثالثًا: الأحلام المزعجة تلك من تلاعب الشيطان بك، وهي لن تضرك في شيء بأمر الله تعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَبُشْرَى مِنْ اللَّهِ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا تُعْجِبُهُ: فَلْيَقُصَّهَا إِنْ شَاءَ، وَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلَا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ).

وعليه فلا تقلقي، واستعيذي بالله من الشيطان، فإنه لا يضرك بإذن الله، فعن جابر -رضي الله عنه- عن رسول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أَنَّهُ قَالَ لِأَعْرَابِيٍّ جَاءَهُ، فَقَالَ: إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ، فَأَنَا أَتَّبِعُهُ! فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ: (لَا تُخْبِرْ بِتَلَاعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ). وقال أيضًا: (إِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ فَلَا يُخْبِرْ أَحَدًا بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِهِ فِي الْمَنَامِ).

فالرؤيا المفزعة المكروهة من الشيطان فلا تقلقي منها، ولا ترتبي عليها أحكامًا؛ وإذا رأيت ما تكرهين في منامك فعليك بما يلي:
- كوني على يقين أنها لن تضرك بإذن الله.
- اتفلي عن يسارك، وتعوذي من الشيطان.
- تحولي من الجنب الذي أنت عليه، كما قال صلى الله عليه وسلم "....وإن رأى ما يكره، فليتفل عن يساره ثلاثاً، وليتعوذ بالله من شر الشيطان، ولا يحدث بها أحداً، فإنها لن تضره". رواه مسلم، وفي رواية: "وليتحول عن جنبه الذي كان عليه".
- القيام وصلاة ركعتين أو أكثر.
- لا تحدثي بها أحدًا.

رابعا: لتجاوز هذه المرحلة نريدك أن تقرئي ما يلي، وستجدين الخير -إن شاء الله- بعد ذلك:

1- أول ما ينبغي عليك معرفته أن الوساوس ليست منك، وما دامت ليست منك، فلست محاسبة عليها، فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) وأنت لا خيرة لك فيما يلقى إليك من كلام لا ترتضينه ولا تريدينه، بل جهادك في طرد الوساوس وتألمك مما يقال وتجديد توبتك كل مرة دليل على أن الإيمان في قلبك، فقد ثبت أن الصحابة -رضي الله عنهم- سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عما يخطر لهم من هذه الوساوس، فأجابهم بقوله: "ذاك صريح الإيمان" ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء ناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال: "ذاك صريح الإيمان".

2- الوساوس كما ذكرنا لك أحد أدوات الشيطان لصرف الإنسان عن الخير، وإبعاده عن طريق الهداية.

3- إذا أردنا خطوات عملية للتخلص من الوساوس فعلينا بما يلي:

- الاقتناع الداخلي بإمكانية التخلص من هذه الوساوس، فإن إحدى وسائل الشيطان إيهامك بأنك أضعف من التغلب عليها، وأنك ستعيشين العمر كله كذلك، وهذا كله وهم، فالشفاء من الله جل وعز، وهو منك قريب جدًا بإذن الله.

- احتقاره: لا تجعلي للوسواس شأنًا ولا أثرًا، ولا تفكري فيه، ولا تحاوريه بل ولا تطارديه، بل احتقريه وفقط، فالإنسان إذا احتقر أمرًا هان عليه، وإذا ضخم شيئًا وقع فيه.

- الابتعاد عن الفراغ قدر المستطاع؛ لأن الفراغ حديقة الشيطان وملعبه المعد لإغوائك، فانشغلي دائمًا بشيء يستهلك وقتك ويكون نافعًا لك، كالتعليم والمسامرة مع أهلك، أو الانشغال بحفظ القرآن، أو الطاعات عمومًا، أو ببعض الأمور العملية؛ كمساعدة الفقراء والمحتاجين، أو الانخراط في عمل دعوي، أو أي أمر يجعل وقتك مشغولاً، ويثمر عملاً نافعًا.

- رددي في نفسك أن ما أنت فيه من وسوسة هو صريح الإيمان وليس نقيضه.

- اجتهدي في تعلم بعض العلوم الشرعية وخاصة العقدية، وستجدين على موقعنا عشرات الكتب المشروحة بالصوت في العقيدة؛ فإن هذا معين قوي لك.

- اتخذي صحبة صالحة من أخوات متدينات، فإن المرء بإخوانه -أختنا الكريمة-.

- أكثري من الدعاء أن يرفع الله عنك هذه المحنة عاجلاً، فالدعاء سهم صائب، فاطمئني واعلمي أن الله يحبك ويريد لك الخير، فأنت على خير، وهي مرحلة وستمر، المهم أن تتعاملي مع الوسواس كما ذكرنا باحتقار وازدراء، ولا تتوقفي عن أي عمل خير تفعلينه.

نسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يصرف عنك كل شر، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً