الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عدم التوفيق في شؤون الحياة هل هو عقوبة من الله تعالى؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أريد المشورة في أمر.

كنت متفوقًا في دراستي منذ صغري حتى المرحلة الإعدادية، ثم اتجهت لدراسة أخرى غير الثانوية، والسبب عدم قدرة أبي على تحمل مصاريف الثانوية.

زملائي اليوم الذين كانوا معي في المرحلة الإعدادية أصبحوا أطباء وأصحاب شأن، وكلما نظرت لحالي أحزن جدًا، ليس حقدًا، ويعلم الله ذلك.

أمر آخر: قمت بادخار مبلغ كبير من المال -ويمثل كل ما أملك- ووضعته في شيء ما، وتم النصب علي في المبلغ كله من خلال أحد المقربين لي جدًا.

ازدادت حالتي سوءًا حينما اكتشفت أني مصاب بمرض مزمن في القلب، ولا تصلح لي الجراحة نهائيًا، وأتكلف شهريًا علاجًا بمبلغ كبير!

أنا أحافظ على صلاتي، وذكر الله لا ينقطع عن لساني -الحمد لله-، لكني لا أعلم سبب كل ذلك، فأنا في ضيق لا يعلمه إلا الله وحده! فهل هذا غضب من الله علي، أم ماذا؟

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يُقدّر لك الخير، وأن يصرف عنك كل سوءٍ وشرٍّ ومكروهٍ.

ونحن نحب أولًا -أيها الحبيب- أن نذكّرك بأن المصائب التي تنزل بالإنسان ليست دليلًا على غضب الله تعالى عليه، فإن الله تعالى قد يبتلي بعض أحبابه بأنواعٍ من المصائب، لحكمٍ جليلةٍ، فقد يُكفّر الله تعالى بها ذنوبًا لهم، أو يرفع بها درجاتهم، يرفعهم بها في جنّته، ومن الحِكم أنه سبحانه وتعالى يُقدّر المكروه والمصيبة على الإنسان ليُلجئه إلى ذكر الله تعالى والتضرُّع إليه والشعور بالفقر إلى ربه، واجتهاد في دعائه له وتوجهه إليه، ولولا هذه المصيبة لكان في غفلة.

فهذه وغيرها الكثير من الحكم الإلهية التي يجعلها سبحانه وتعالى غايات ونهايات للمصائب التي تنزل بابن آدم، فليس صحيحًا إذًا أن كل مصيبة هي علامة على غضب الله تعالى على الإنسان، وقد قال النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الناس على قدرِ دينهم"، فهذا الحديث العظيم يُبيِّنُ لنا هذه الحقيقة المهمّة، وأن الإنسان المحبوب عند الله تعالى قد يكون أكثر الناس مصائب، لهذه الحكم التي ذكرنا طرفًا منها.

فينبغي أن تُريح قلبك إذًا من عناء الحسرات على ما فاتك ممَّا كنت تتمنّاه، أو ممَّا نزل بك من المكروهات، ونصيحتنا لك أن تتأمّل جيدًا في هذه الكلمات، وأن ترضى بما قدّره الله تعالى لك، وتصبر على ذلك، حتى لا تحرم نفسك ثواب هذه المصائب التي نزلت بك، والمكروهات التي قدّرها الله تعالى عليك، فيفوتُك ثواب الآخرة، وتكون محرومًا في الدنيا محرومًا في الآخرة.

اعلم -أيها الحبيب- علمًا يقينيًّا أن الله تعالى أرحم بك من نفسك، وأعلم بمصالحك، وقد قال سبحانه وتعالى: {وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ‌وَعَسى ‌أَنْ ‌تُحِبُّوا ‌شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216].

فإذا أيقنت بهذه الحقيقة؛ قابلت أقدار الله تعالى بالصبر والرضا والاحتساب، فاعلم إذًا أن الله تعالى إذا قدّر عليك شيئًا تكرهه فإنما يُقدّره لمنافع كثيرة، حاول أن تبحث عن هذه المنافع وتُحققها، ومن أهم هذه المنافع الصبر لتنال ثواب الصابرين، فإن الله تعالى وعد الصابرين بجزاءٍ لا يُحصيه مُحصٍ، ولا يعدُّه عادٍّ، فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّما ‌يُوَفَّى ‌الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ} [الزمر:10]، والناس يوم القيامة حينما يرون أهل المصائب ويرون ثوابهم؛ يتمنّى الواحد منهم أن جلده قُرضَ بالمقاريض، لما يراه من ثواب الله تعالى لأهل المصائب.

فنصيحتنا لك أن تسمع المواعظ التي يتكلّم فيها الوعاظ عن الصبر وعواقبه وثوابه؛ فإن هذا يُعينُك على تحقيق هذا المقصود الشرعي.

كما ننصحك أيضًا بأن لا تستسلم وتترك الأخذ بالأسباب، فخذ بأسباب ما تُريده من الأرزاق، وفوض الأمور إلى الله تعالى ليُقدّر لك ما هو خيرٌ لك.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُقدّر لك الخير حيث كان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً