السؤال
لقد اجتزت مؤخّراً اختبارات عديدة لكشف الإصابة بمتلازمة أسبرجر، وأفضت كافّة النتائج إلى احتمال أكيد بوجودها في حالتي، وهذا ما جعلني أذكر بعض سماتي التي سأفصّلها رغبةً في الاستفادة برأيكم بخصوص النتائج، فتحمّلوني رجاءً.
منذ صباي، لمّا كنت أختلف إلى رياض الأطفال، غالباً ما كنت منزوياً، تراني جالساً إلى طاولة بعيدة، مغمضاً عينيّ ضاغطاً عليهما بكلتا قبضتيّ، حتى أرى رسوماً وخيالات وتشوهات بصرية ملوّنة، وإلى الآن، يعتبرني الجميع (من غير المقربين لي) غريب الأطوار، وفي المدرسة ينعتوني بالمثقّف، أو بفأر المكتبة أو بالعبقريّ! رغم أنّي لا أرى في نفسي ثقافة واسعة أو نبوغاً، بل على النقيض أراني غير مرّة مشتتاً قليل التركيز.
أظنّ أن تلك النعوت التي يصفوني بها إنما مردّها تأخّرهم في المناهج التعليميّة، حسناً، أقرّ أني متفوّق دراسياً، بيد أن لي بعض السلوكات الغريبة من حين لآخر، والتي لا تتلاءم مع قدراتي ككل، تكثر محادثاتي مع نفسي، محادثات ليست ذات معنى.
أتكلّم فيها بألفاظ تريح مسمعي وتبعث الاسترخاء في جسدي، لا جزم لها في اللغة، أتكلّم بها بعيداً عن النّاس، وخاصّة عند القلق أو الملل.
أنا أيضاً مهووس بالتنظيم في كل شيء، في أدقّ التفاصيل، كثير التفكير، كثير التساؤلات الباطنيّة، وأيضاً ميّال إلى العزلة، قليل الكلام مع الأتراب، لا أجيد فهم نوايا النّاس، وكثير الشك في انطباعاتهم، لا أعرف كيفية التصرّف في التجمّعات والمناسبات، لا علم لي بالوضعيّة التي يجب أن يكون عليها جسمي أثناء السير أو الوقوف، ولكني متمسك بالتواصل البصري أثناء الحوارات، وأكره أن يتجنب أحدهم النظر إليّ مباشرة خلالها، علاوة على ما سبق، أنا كثير النظر والميل إلى الكهول وكبار السنّ أبتغي السماع عن أحوال الماضين من الخلائق، ومشدود إلى أماكن في منزل الأسرة، أتخيّل وأطيل النظر فيها وأحلم، كثيراً ما أرتاح عند الانزواء في بيتي.
عند التمعن في يديّ أحسّ أنّني خارج جسدي، كأني أهيم بعيداً في غيابات الروح، أستغرب وجودي، رغم كل تلك الأمور الغريبة، فإنّ الناس -والحمد لله- تفتنهم كتاباتي الأدبيّة والسجعيّة، وكثير من المعلمين من يمتدحها، وإنّ الناس تعجبهم تلاوتي للقرآن وتريحهم، وإني لأحذق الرياضيات والفيزياء والعلوم، فما مدى احتمال إصابتي بتلك المتلازمة التي ذكرتها آنفاً؟
(ملاحظة: أبلغ 16 سنة).