الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحببت فتاة للزواج بها ولتأخري تزوجت بآخر.

السؤال

السلام عليكم.

أحببت فتاة تدرس معي بالجامعة، وأسررت حبي، وبعد عدة أعوام ومع بعض الأحداث تواعدنا على الزواج بعد إنهاء الدراسة، انتظرتني لعام، وختمته بزواجها من غيري.

خلال تلك الأعوام انقلبت حياتي رأساً على عقب، وتغيرت نحو الأفضل في الغالب، فهرعت إلى موقعكم، وطبقت ما ذكرتم من النصائح، فكان العمل، وطلب العلم، والاهتمام بالدراسة، وقراءة الكتب، والعبادات من قرآن وصلاة وقيام ليل وإحسان...الخ.

أكثر من عام انقضى وأنا لا أترك لنفسي حتى يوم عطلة، لعلي أدرك ما وُعِدت، فنسيت كل شيء إلا هي، ونفرت نفسي عن كل عمل إلا الاشتغال بها، ومللت من كل شيء إلا حبي لها.

كثيراً ما تدور في رأسي فكرة الانتحار، ولا يمنعني عن ذلك إلا الخوف من الله، والشفقة على أمي.

تمر علي موجات من الألم، وتكون على شكل اكتئاب حاد، وضيق صدر، وحنين شديد، وأحياناً تظهر على أعراض جسدية تشبه الانفلونزا الشديدة، تبقيني طريح الفراش، كما أعاني من ألم مستمر بالمعدة، وفحوصات الأطباء تقول إني سليم.

بالإضافة إلى تقلب المزاج، قد أكون فرحاً شديد الفرح، وخلال نفس الدقيقة ينقلب الفرح إلى حزن يملأ قلبي!

لم أعتد أن أعري ضعفي أمام أحد من الخلق، لذلك كل قصة حبي وما بها من تفاصيل ووعد بالزواج وفشل لا أحد يعلم بها إلا الله.

غالباً أشعر بالوحدة رغم كثرة أصدقائي، وأفتقد الشعور بالأمان، أما هي، فاستمرت جاهدة أن ترجع الوصل بيننا حتى بعد خطبتها وزواجها، لا بل حتى اليوم، وهي تشارف على وضع مولودها البكر، وكل هذا بعلم زوجها.

قطعت علاقتي معها تماماً بعد خطبتها، أحياناً أتصفح مواقع التواصل الخاصة بها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فلان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في استشارات الشبكة الإسلامية، وأسأل الله تعالى لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أخي: طبعًا كانت علاقتك بتلك الفتاة علاقة وطيدة، وكان هنالك وعدٌ بالزواج، وبما أن الأمر لا خير فيه فلم يتمّ، هذا هو المبدأ أخي الكريم، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، فإن كان في هذا الأمر خيرٌ لك ولها لتمَّ.

يجب – أخي الكريم – أن تتعامل مع كلّ ما حدث بهذه المنهجية، ولا تكن هشًّا أبدًا من الناحية النفسية، تعامل مع الأمر بصورة عاقلة، بصورة منطقية، بمستوى معرفي مرتفع ومنطقي.

أنت الآن – يا أخي الكريم – تمرُّ بوضع نفسي فيه بعض سمات ما نسميه بـ (عدم القدرة على التكيُّف)، أي: بمعنى أنك لم تتكيّف على فقدانك لتلك الفتاة، وإن كنت تحاول جاهدًا فيما يتضح لي، والدليل على ذلك أنك قد أحسنت التصرف في أنك كنت صَلِبًا في عدم التواصل معها بعد زواجها، بالرغم من محاولتها ذلك، وهذا موقف نبيل، هذا موقف شرعي صحيح، وجزاك الله خيرًا على ذلك، وأنا أستغرب أنها حاولت التواصل معك وبعلم زوجها، هذا أمرٌ غريب دون أن أسيء إليها أو إلى أي أحدٍ آخر.

أيها الفاضل الكريم: خذها مِنِّي، هذا الأمر لم يتمّ لأنه غير مكتوب لكما، وأنه لا خير فيه لا لك ولا لها، ويجب ألَّا تعيش مع جراحات الماضي وتجارب الماضي الفاشلة، إنما تعيش مع قوة الحاضر، الحاضر دائمًا أقوى من الماضي ولا شك في ذلك، ويجب أن تنظر إلى المستقبل بأفق إيجابي ومتسع، وبأملٍ ورجاءٍ.

أنت حقيقة في فترة من الفترات وجَّهتَ نفسك التوجيه الصحيح، من خلال طلب العلم والاهتمام بالدراسة والقراءة، والحرص على العبادات، وقراءة القرآن، والصلاة، وقيام الليل، والإحسان...هذا كلُّه أمرٌ ممتاز، ويجب أن يستمر حقيقة، لأن هذا هو المنهج الحياة الصحيحة.

أنا أنصحك الآن أن تُنظّم وقتك، إدارة الوقت تعني حُسن إدارة الحياة، ومن أفضل الأشياء النوم الليلي المبكّر، وأن يستيقظ الإنسان مبكِّرًا، يؤدي صلاة الفجر، البكور فيه خيرٌ كثير، ويمكن أن تقوم بالكثير والكثير في الصباح، وتدرس حتى في فترة الصباح، ساعة مثلاً قبل أن تذهب إلى مرفقك الجامعي، هذه حقيقة تُحسِّنُ كثيرًا من استيعابك، والذي يُنجزُ في الصباح يحسّ أنه يتعامل مع بقية اليوم بكل أريحية وانشراح وإيجابية.

أنصحك بأمرٍ آخر وهو: ممارسة الرياضة وباستمرار، الرياضة مفيدة جدًّا، وتفجِّر الطاقات الإيجابية، وتمتصّ الطاقات السلبية.

القيام بالواجبات الاجتماعية هي من الأصول السلوكية المهمَّة جدًّا، والحمد لله تعالى نحن مجتمعاتنا مجتمعات فيها الكثير من التراحم.

أيها الفاضل الكريم: صِل رحمك، لبِّ الدعوات، دعوات الأفراح، الأعراس، قَدِّمْ كلَّ ما تستطيع للضعفاء، امشِ في الجنائز، زُرِ المرضى، اخرجْ مع أصدقائك...هذه هي الحياة الحقيقية. وتطلُّعاتك العلمية حول مستقبلك العلمي يجب أن تكون صلبه وطموحه.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم. استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتلهيا إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي. مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
++++++++

مرحبًا بك ولدنا الحبيب في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله تعالى أن يُذهب عنك ما تجده من شدة التعلُّق بهذه المرأة، وقد أحسنت – أيها الحبيب – حين قطعت التواصل بها بعد خِطبتها وزواجها، ونحن نتفهم كل ما تُعانيه من آثار حُبِّك لهذه المرأة، فالعشق داء ومرض، وآثاره كثيرة، ومنها ما تُعانيه أنت، وقد تكلَّم الأطباء قديمًا وحديثًا عن هذا الداء وكيف تكون مُعالجتُه، ونحن ننصحك بما قرَّره الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – من خطوات ينبغي أن تتخذها لتنجوَ بنفسك من شِراكِ هذا الدَّاء، فاستعن بالله سبحانه وتعالى، وتوجّه إليه أن يُعينك للتخلُّص منه.

أوَّلُ هذه الخطوات – أيها الحبيب –: أن تُشعر نفسك باليأس من هذه المرأة ما دامت قد تزوّجت، فإن النفس إذا يئست من الشيء استراحت منه ولم تلتفت إليه، ونَسَتْهُ.

الخطوة الثانية: أن تُخاطب عقلك بأن طمعه في حصول الشيء الذي لا يصل إليه نوعٌ من الجنون، ومثالُه – كما يقول ابن القيم – مِثْل مَن يعشق الشمس ورُوحه متعلِّقة بالصعود إليها والدوران معها في فلَكِها، فهذا مَعدود عند العقلاء من المجانين، فينبغي أن تُخاطب عقلك بهذا النوع من الخطاب.

الخُطوة الثالثة: أن تنظر ما تجلب عليك هذه المحبّة من مفاسد عاجلة، وما تُعطِّل عليك من المصالح.

الخطوة الرابعة: أن تتذكّر قبائح هذا المحبوب وما يدعوك إلى النُّفرة عنه، فإنك إن تأمَّلتَ هذا ستجد أضعاف أضعاف المحاسن التي تدعوك إلى حُبِّه، فالمساوئ داعية البُغض والنُّفرة.

الخطوة الخامسة: أن تسعى للزواج بذات دين وخلق تأنس بها وتنعم معها وتنسى التعلق بامرأة ذهبت عنك.

أخيرًا – أيها الحبيب-: خير ما تفعله أن تلجأ إلى ربِّك وتنطرح بين يديه، وتُكثر من دعائه أن يُخلِّصك من هذا العشق، فإنه سبحانه وتعالى لا يردُّ مَن دعاه، وربما فتح عليك التَّذَلُّل بين يدي الله بابًا من الحُب آخر غير هذا الحُبِّ، وهو حُبُّ الله تعالى وُحبُّ ذِكْرِه والقُرب منه، ونحن على أملٍ إن شاء الله أن نسمع منك أخبارًا جيدة عن هذا.

أمَّا ما ذكرتَه – أيها الحبيب – من مُحادثة نفسك لك بالانتحار فإنه المصيبة العظمى التي يُحاول الشيطان أن يَجُرَّك إليها، فإن الانتحار ليس انتقالاً من العناء إلى الراحة، بل هو انتقالٌ من عناءٍ يسيرٍ إلى عناءٍ كبيرٍ دائم، وهو من قبائح الذنوب وكبير الجرائم وصاحبه مُعذَّبٌ في نار جهنَّم بالوسيلة التي قتلَ بها نفسه، خالدًا مخلدًا في النار، فاحذر أن يجرَّك الشيطان لمثل هذا المصير الأليم.

نسأل الله تعالى أن يمُنَّ عليك بالعافية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً