الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فشلت في مشروعي رغم الدراسات التي قمت بها، فما العمل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أنا إنسان مبتلًى في عملي، فقد أمضيت ٢٦ عاماً مغترباً أعمل عند الناس، وأحاول جاهداً أن أوجد لنفسي مشروعاً، وكل المحاولات فشلت رغم كل الدراسات والاحتياطات.

عدت لبلدي نهائياً، ووضعت جزءًا من مدخراتي في مشروع، وسبقتها بصلاة استخارة وبدأت متوكلاً على الله، الشهر الأول بشائر ممتازة وتوفيق، وكالعادة ضربة قاصمة في المشروع.

أنا الآن محتار هل هو غضب من ربي؟ هل في أموالي شيء حرام؟ هل أحل المشروع وأقبل بالخسائر الأولية التي قد أكون قادراً على استيعابها مع الحسرة؟ هذا كله كوم وخجلي أمام أولادي وأهلي من الفشل كوم آخر، فقد أصبحت منعزلا عنهم وحزيناً جداً.

أسأل الله العلي القدير أن يوفقكم في مساعدتي بالنصيحة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصطفى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك – أيها الأخ الكريم – في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياك ممَّن إذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر، وإذا أُعطي شكر، ونسأله تبارك وتعالى أن يُصلح الأحوال، وأن يُحقق لنا ولكم في طاعته الآمال.

بدايةً ينبغي أن تُدرك أن الربح والخسارة كلاهما وارد في طريق الإنسان وفي حياته، والمهم هو ألَّا يخسر الإنسان ثقته في الله تبارك وتعالى، ولا يخسر الإنسان عزيمته ورغبته في أن يستمر وينهض بعد الكبوة، فإن الكبوات والانتكاسات التي تحصل للإنسان في حياته ما هي إلَّا محطات في طريق النجاح، إذا أدرك الإنسان أن هذا الكون بقضاء الله وقدره، وأنه لن يحدث في كون الله إلَّا ما أراده الله تبارك وتعالى.

نوصيك أولاً بالدعاء لنفسك، ولا مانع أيضًا من قراءة الرقية الشرعية على نفسك.

الأمر الثاني: ينبغي أن تحرص على مشاورة العقلاء الفضلاء ممَّن يعملون في نفس هذا المجال، هل تستأنف النشاط أم تتوقف عند هذه المرحلة، تنظر في أمور أخرى.

ثالثًا: أرجو ألَّا يأخذك الحرج، فلا ذنب على مَن بذل المجهود ثم لم يُوفّق، لأن التوفيق بيد الله تبارك وتعالى، ولا تُبال بنظر الناس إليك، واجعل همَّك إرضاء رب الناس سبحانه وتعالى، واعلم أن الإنسان لا يدري أين يكون الخير، كما قال عمر بن عبد العزيز: (كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار) يعني: فيما يُقدّرُه الله، وقال ربنا العظيم: {قل لن يصيبنا إلَّا ما كتب الله لنا هو مولانا}، وقال الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه: (لو كُشف الحجاب ما تمنّى أصحاب البلاء إلَّا ما أُصيبوا به، وإلَّا ما قُدرِّ لهم) لأن الذي يحجبه العظيم هو الأخطر وهو الأكبر، والإنسان لا يدري أين يكون الخير.

لذلك أرجو ألَّا يهتزّ عندك الإيمان، وألَّا تهتزّ عندك العزيمة، وألَّا يهتزّ عندك الإصرار لله تبارك وتعالى، وأكثر من الدعاء الذي علَّمنا إياه رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، عندما علَّمنا أن نتعوّذ بالله من العجز والكسل، فالعجز نقصٌ في التخطيط، والكسل نقصٌ في التنفيذ، لذلك الإنسان عندما يلتزم بمثل هذه الأدعية ويبذل الأسباب ويجتهد في بذل وأداء ما عليه من المجهود فإنه ينبغي أن يرضى بما يُقدره الله، فالمؤمن يبذل الأسباب ثم يتوكل على الكريم الوهاب، وأنت ولله الحمد بذلت الأسباب من دراسات واحتياطات، ولكن أيضًا هذا ابتلاء واختبار من الله تبارك وتعالى، واعلم أن الصبر يُوصلُ إلى جنّة الله، كما أن الشكر يوصل إلى جنة الله تبارك وتعالى، ((وعجبًا لأمر المؤمن إن أمره كلّه له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلَّا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له)).

أرجو ألَّا تجلد نفسك، ولا تلومها على أمر لا تملك فيه شيئًا، ولا تهتمّ بنظر الناس، فإن الذي يسخر سيعطيك من حسناته، والذي يتكلّم عنك بما لست له أهلا من الأمور السيئة أيضًا يمنحك من حسناته أو يأخذ من سيئاتك، وأنت رابح في كل الأحوال ما دمت مؤمنًا راضيًا بقضاء الله تبارك وتعالى وقدره، وهذا لا يعني أن توصد على نفسك الأبواب، ولكن تواصل مع الفضلاء الأخيار الناصحين، واعمل بما ينصحوك به، واجتهد في البحث عن وسائل أخرى، واعلم أن الواحد مِنَّا لن يمضي من هذه الدنيا قبل أن يأكل كلَّ ما قدّره الله تبارك وتعالى له، فلو بقيت للإنسان تمرة لا يمكن أن يخرج من الدنيا دون أن يأكلها، ولذلك النبي طمأننا بأن ((روح القدس نفخ في روعه أنه لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وأجلها)) ما هو المطلوب يا نبي الله؟ قال: ((فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، فخذوا ما حلَّ ودعوا ما حُرِّم عليكم)).

هذه دعوة أيضًا إلى أن تتحرّى الحلال، ولا نريد أن تقف لتجلد نفسك، ولكن المؤمن بحاجة إلى أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى من الذنوب التي تمنع حصول الرزق، من الذنوب التي يعرفها ومن الذنوب التي لا يعرفها، واعلم أن التوبة مفتاحٌ للخير، كما أن الاستغفار بابٌ للرزق، {فقلتُ استغفروا ربكم إنه كان غفّارًا * يُرسل السماء عليكم مدرارًا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا}، واحرص على الاستقامة على أمر الله، فإنها بابٌ أيضًا إلى الرزق، قال تعالى: {وألَّوا استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدًا}، واحرص كذلك على الإحسان إلى الآخرين، فمن كان في حاجة الناس كان الله في حاجته.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يُخرجك ممَّا أنت فيه، وأن يُوسّع لك الرزق الحلال، وأن يُلهمك السداد والرشاد، ونكرر الترحيب بك في موقعك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً