السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما هي مقومات السلفية؟ وما هي الجذور والمصادر للمدرسة التجريبية في الحضارة الإسلامية؟
بارك الله فيكم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما هي مقومات السلفية؟ وما هي الجذور والمصادر للمدرسة التجريبية في الحضارة الإسلامية؟
بارك الله فيكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أسماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك ابنتنا الفاضلة في الموقع، ونشكر لك هذه الأسئلة الرائعة.
أما سؤالك عن السلفية: فالسلفية هي دعوة لفهم هذا الإسلام كما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم– على فهم سلف الأمة الذين عاشوا التنزيل وصحبوا النبي -صلى الله عليه وسلم– ومن تبعهم على هذا المنهاج بإحسان.
وبذلك الإنسان ينبغي أن يُدرك أن أعظم تفسير للقرآن هو القرآن، ثم سنة النبي -صلى الله عليه وسلم– ثم فهم السلف الصحابة الأبرار الذين عاشوا التنزيل ووقفوا على أسبابه، وأيضًا استنبطوا الأحكام العظيمة من الوحيين.
فالسلفية إذًا هي: عودة إلى الينبوع الصافي، عودة إلى فهم هذا الدين كما جاء عن سلف الأمة عليهم من الله الرضوان، الذين كانوا أكثر فصاحة وأعرف الناس بمواطن التنزيل وبأسباب نزوله، وبالظرف الذي حصل فيه نزول الآيات وأسباب ورود الحديث عن النبي –عليه صلاةُ الله وسلامه–، والناس بحاجة لفهم هؤلاء الكرام الذين عاشوا كما قلنا الوحي، بل سعدوا بصحبة النبي –عليه صلاةُ الله وسلامه-.
أما بالنسبة للسؤال الثاني وهو مسألة العلم التجريبي: فالعلم التجريبي ابتكار إسلامي وإضافة كبيرة جدًّا للعلوم، وللنهضة العلمية في هذه الدنيا على وجه هذه الأرض، البدايات كانت تقريبًا في القرن الرابع الهجري في وقت مبكر جدًّا.
والعلم التجريبي علم يقوم على الاستقراء والقياس، ويستند للمشاهدة والتجربة، وقبل هذه الإضافة الكبيرة والمتميزة من علماء المسلمين كان العلم مخلوطا بكثير من الأساطير والخرافات، فجاء هؤلاء فجربوا النظريات العلمية الموجودة، عرضوها للتجربة، فلم يصح بعد ذلك إلا الصحيح، واستطاعوا بعد ذلك أيضًا أن يخلصوا هذا العلم من الخرفات التي كانت تحكم وتعطل الكثير من الأفكار العلمية في تاريخ أهل الأرض.
وعلماء الإسلام لم يكتفوا فقط بنقد النظريات واختبارها وتعريضها للتجربة والقياس والنظر والمشاهدة، بل أضافوا الجديد والمفيد من النظريات، وبرز علماء المسلمين وعلى رأسهم ابن حيّان والخوارزمي والرازي وابن الهيثم وابن النفيس وغيرهم، وإذا كان ابن حيان يعتبر أول من جاء بالعلم التجريبي وهو أستاذ وإمام للكلاميين وعلماء الكيمياء –رحمة الله عليه– وهو أول من جاء بالتجربة، جرب هذه العناصر وتفاعلاتها، وهي من خلال المختبر ومن خلال التجارب التي أقامها، فإن الرازي أيضًا يعتبر أول من جرب الكثير من العقاقير والأدوية على الحيوانات قبل أن ينقلها ويخرج بنتائج مفيدة للبشر.
وهذا الذي تفعله البشرية اليوم قبس لإنجازات أولئك الكرام الذين فتحوا للبشرية هذا الباب، وكما قلنا كان العلم قبلهم أساطير وخرافات، لكن بعد مجيء هؤلاء الكرام وبعد العلم التجريبي الذي برزت به هذه الأمة أصبحت الأمور واضحة، وأصبح هناك فرق كبير بين الحقائق العلمية الناصعة وبين النظريات العلمية التي تحتمل الخطأ والصواب، بل كانت هناك نظريات –كما قلنا– ما هي إلا محض أساطير وخرافات وتخيلات عند أولئك الناس.
فالإضافة الكبرى إذًا لحضارة الدنيا، بل هناك علوم مثل: الكيمياء والإحصاء والجبر، هذه تكاد تكون ابتكارات إسلامية خالصة، وهي العلوم التي تتكأ عليها حضارة اليوم، بعض نظريات علوم الجبر تقوم عليها المعادلات الصعبة والأعمال الهندسية الدقيقة في دنيا الناس اليوم، كل ذلك ابتكار إسلامي لهذه الحضارة العظيمة، التي يؤسفنا أننا نمنا واستيقظ الآخر ثم قاد الناس بحضارة بلا قيم، هؤلاء كانوا علماء وكانوا أصحاب قيم، فالطبيب الرازي كان في مساجد المسلمين يدرس التفسير وعلوم القرآن وسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم– والطب، وكان يقول: (من تعلَّم التشريح ازداد إيمانه).
فنحن خسرنا كثيرًا بانفصال هذه العلوم، ببعدنا عن ربط العلوم بالإيمان بالله تبارك وتعالى، ولم تعرف الحضارة الإسلامية هذا الفرق، فعلماء الشرعية وعلماء الطبيعة كلهم كانوا على علم بقواعد هذا الدين، بل كل منهم كان يبدأ بحفظ كتاب الله ثم بحفظ الواجب من العلوم التي يصحح بها العقيدة والعبادة والمعاملة، ثم بعد ذلك ينطلق في مجال تخصصه في المجال الذي يميل إليه، كما أشار إلى ذلك ابن حزم –رحمة الله عليه– وهذا سبق للبشرية حتى في مجال التخصص العلمي وفي مجال عدم الثبات أمام النظريات، وإنما تحويلها إلى ممارسة وعمل وتجارب ومشاهدات.
فنسأل الله أن يرحم أولئك الكرام، وأن يعيننا حتى نعيد للدنيا هذا الجانب وهذا العمق الإيماني في العلوم، ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.