إن الموروث الإسلامي ( المعارف والعلوم الإسلامية) أمانة في أعناق الأجيال الحاضرة ،ومسئولية عليهم أن يؤدوها على الوجه الأكمل، وإلا ضاعت أمجاد الأمة التي وصلت إلينا ،بعد أن حفظتها الأجيال الماضية ودافعت عنها ، فلقد حفظوها من كل دخيل ، ودحضوا عنها كل زيف، إن أمم الأرض اليوم أشد حاجة لهذا الموروث من كل وقت مضى، لما تعاني البشرية من شقاء وعنت، لا سبيل لعلاجه ،ولا طريق لإسعاد البشرية إلا بهذا الموروث ،الذي هو في الأصل ميراث الأنبياء؛ ومنهج الحق الذي ارتضاه الله لعباده.
يقول الأستاذ أنور الجندي :" إن جيل اليوم من المسلمين عليه مسؤوليات أشد خطورة وأكثر عمقا من أي وقت مضى، مع تعقد حركة الغزو الفكري ، وهجمة الباطل ، الذي يحاول أن يجد ثغرة ينفذ من خلالها إلى الناس، ليقطع بذلك الخيط المتصل ،الذي استمر وامتد منذ نزول الوحي بالإسلام على أنبياء الله، وختم بشريعة القرآن وأمانته للمسلمين بأن يحفظوها، ويدافعوا عنها، وينشروها للعالمين".
وعلى الأجيال الجديدة من المسلمين أن تتعرف على هذا الإرث، وتكتشف عظمته، ومجده ،ومعطياته ،وهم اليوم في العالم المأزوم، المحتاج للضياء والنور والهدى ،ليخرج من الظلام ،والشك ،والقلق ،والتمزق، والضياع.
إذن الموروث الإسلامي أمانة في أيدي قومنا ومثقفينا ، وهم مطالبون أولا بفهم هذا الموروث ، ثم بتبيينه للناس ، وهم لكي يفهموه لا بد أن يبدأوا بمنابع الإسلام الأصلية، وأن يلتمسوا جوهر المعرفة الإسلامية؛ ولن يستطيعوا أن يحملوا هذا الإرث، أو يدفعوا عنه ،أو يقدموه للبشرية، إلا إذا كانوا هم أنفسهم قد صدروا عن العقل الإسلامي، والنفس الإسلامية، والمزاج الإسلامي.
أما إذا حالوا ذلك عن طريق فلسفات أجنبية، أو معارف استشراقية ،أو مناهج غربية ،أو شرقية ، فإن ذلك لن يحقق لهم الوصول إلى الفهم الصحيح لهذه الحضارة و لهذا الدين، فهذا المنهج أصيل لا ينتمي إلى غيره أبدا.
قال الأستاذ أنور الجندي : "إن للإسلام منهجه الأصيل في المعرفة؛ وأسلوبه الخاص في الفهم، ذلك هو الأسلوب القرآني، وهو الحق، و لقد دافع كثيرون عن الإسلام ،وكتبوا دراسات مهمة ونافعة، وقد اصطنعوا أسلوب الفلسفة الغربي ، أو أسلوب المنطق الأرسطي، أو أسلوب الوجدان والقلب والإشراق، لكنهم فعلوا ذلك في مرحلة وبيئة معينة فلما انتهى زمنهم لم يستطع دفاعهم أن يكون مسلما ، فأصبح تاريخا محضا".
أما الإسلام ؛ فإنه منهج متكامل شامل، إنه منهج يجري على الأبعاد المختلفة للفكر، ويغطي طرائق العقل والقلب ، والنظر والمشاهد والاستدلال.
وقد استوعب القرآن طرق المعرفة كلها ووسائلها جميعا ، بحيث أتيح له أن يصل إلى مختلف الناس ، فيخاطبهم ملبيا حاجتهم أجمعين، أبيضهم وأسودهم .
يقول الأستاذ سيد أبو المجد :" لقد وضع القرآن أساس المعرفة على أساس الكم والكيف، والمادة والروح، والغاية والسبب، وربط القرآن بين الحواس والعقل والوجدان؛ ووضع أهم القواعد التي تحفظ العقل من الطيش ،والقلب من الزيغ، كما دعا إلى التقدير والتقرير، وعدم التعجل في الحصول على النتائج قبل استكمال البحث والموازنة والاستقراء؛ ودعا إلى التخصص قبل البحث، وعدم المكابرة والعناد، ودعا إلى المراجعة والمعاودة والاستمساك بالحق، والبعد عن الغرور، وحث على الجهر بالحق والدفاع عنه"
إنه دين المجد والعظمة والسؤدد ، لكن المصيبة في جهل حامليه به - في هذا الزمان إلا من رحم الله – استمع معي لمقالة الإمام الحكيم الترمذي:" إنا وجدنا دين الله مبنيا على ثلاثة أركان : على الحق والعدل والصدق، فالحق على الجوارح، والعدل على القلوب ،والصدق على العقول، فإذا افتقد الحق من عمل ؛ خلفه الباطل، وإذا افتقد العدل؛ خلفه الجور، وإذا افتقد الصدق؛ خلفه الكذب".
واجب أجيال اليوم أن تقدم للناس الإسلام الذي أنزله الله على حقيقته ، ومن خلال مناهجه، وليس شيء آخر توهمناه من خلال مناهج الغرب الوافدة علينا فبدا تصورا مهزوما منكوسا للأسف الشديد.
إننا لو نظرنا اليوم إلى مناهج الدرس والعلوم في كثير من مؤسساتنا التعليمية، لوجدنا أن لغتنا العربية ، وتاريخنا ، وثقافتنا وغير ذلك ؛ تدرس بطرق تدريس وافدة، وتوضع المناهج على قوالب أوربية، بعيدة عن بيئتنا وأصولنا ، فنحرم الجيل الجديد من الاستفادة الكبيرة من مناهجنا الأصلية.
فالتاريخ عندنا يدرس على أنه تاريخ ، اقتتال وصراع ، ويفصل بين أقطار أمتنا، فنحرم أمتنا من امتداداتها الطبيعية ، ولا ذكر لأمجاد الأمة وحضارتها في درس التاريخ في الغالب الأعم.
دعونا نواجه خطر الغزو الفكري القائم، وأن ندفع برسالتها إلى مكانها الصحيح، منهج حياة لأمة : هي خير أمة أخرجت الناس، وحتى يجد الناس الإسلام حيا قائما ، وليس كتبا محفوظة؛ (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).