جاء يبشر أن مشروعه الذي ينادي به هو : تجاوز التقليد ، ونبذ المألوفات التي نسبت إلى الشريعة خطأ ، وإعادة فحص الفتاوى الشائعة، وأنه لا عبرة إلا بالنص الشرعي فقط، وأن هذا هو الطريق لنهضة الفقه، وبعث التجديد!.
كلام في غاية الروعة ؛ لكن حين جئنا للمواقف الجزئية والفروع والتطبيقات ، وجدنا صاحبنا يحاول أن يميل بالمسائل لموافقة الفكر الغربي ،والقيم الغربية، والثقافة الغربية، وأن يجعلها هي البوصلة التي يريدنا أن نسير عليها.
فإذا كان الحكم الشرعي يرتطم بتقاليد الثقافة الغربية تطلب له المخارج؛ فإن كان الحديث متكلما فيه تشبث بتضعيف من ضعفه ، ولبس عمامة المتشددين في التصحيح ، وإن كان الحديث ثابتا ويوجد معارض له، قفز للمعارض وإن كان ضعيفا، وصار من المتسامحين في علل الأحاديث، ومن أصحاب التصحيح بظواهر الإسناد.
فإن كان الحديث صحيحا ولا معارض له ؛ نبش في التراث عن مخالف ، فتارة يذكر ابن شبرمة ،وتارة أبا ثور وهو لا يعطيهم أدنى مرجعية، لكنه يبحث عن أقرب "مخرج طوارئ" فيكون عنده مجرد وجود أدنى خلاف في المسألة مبررا لترك الحكم الشرعي المعارض للثقافة الغربية.
فإذا لم يجد ما يتكئ عليه في التراث الإسلامي حدثك وإن على خجل بأن : تجربة السلف تجربة عظيمة لكنها " لا تلزمنا".
أو بدأ يحدثك عن المقاصد الشرعية ، ويبث لواعج الأحزان الفقهية على (القراءات المقاصدية للنصوص) ، وطبعا ما يعنيه بالمقاصد ليس المقاصد الشرعية كما يعرفها الأصوليون وأهل العلم، وإنما يعني هؤلاء بالمقاصد تحويل النصوص الجزئية إلى معنى سيال لا ينضبط، وغالب من يردد المقاصد في هذا السياق يعنون بالمقاصد تعطيل حجية النصوص الشرعية في جزئيات محددة؛ ويظن أن هذا هو معنى المقاصد.
تحت لا فتة العدل والرحمة والتيسير يتم اغتيال النصوص الشرعية المخالفة لثقافة الغربي الغالب، والعدل الشرعي ، والرحمة الشرعية ، والتيسير الشرعي بريئة كلها من هذا التوظيف.
لماذا كل هذ الدوران؟ لأنه تشبع بالثقافة الغربية المهيمنة، وصار يرى بمنظارها، ويحاكم الأمور إليها بشعور وهو قليل ، وبلا شعور ،وهو الأكثر.
نحن لا نلوم الغربي أن يقيم المسائل طبقا لما تقرأه عينه الزرقاء... لكننا نلوم المسلم الذي يقيم المسائل بعين مزرقة.
(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)
الجميع يدرك وبأبسط ملاحظة أنه لا جديد أصلا في المعطيات الشرعية ، وإنما الجديد هو أن تلك العقول تشبعت بثقافة الإنسان الغربي الغالب ، وصارت تميل إلى موافقته، وتريد أن تقنع نفسها، وتقنعنا معها، أنها في كل هذه الانحيازات لثقافة الغربي الغالب أنها قراءة تجديدية مستقلة ، موضوعية، ومحايدة، تفتح باب الاجتهاد وبعيدة عن أي مؤثرات غربية.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا)
لا بد أن يعلم هؤلاء أن دين الله فريد، وأن شرع الله مهيمن ،ولا يعلى عليه،و أنه لا بد من أن يعرف المسلم أن العزة في التمسك بالشريعة كلها ، وعدم نبذ شيء منها أو خلطها بغيرها ،وأن الاستسلام لحكم الله يعني كمال الإيمان (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
- الكاتب:
من كتاب \"سلطة الثقافة الغالبة\" بتصرف - التصنيف:
المركز الإعلامي