" الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية" وقضيتنا اليوم تشتت دائم وعداء مستمر بسبب الاختلاف في الرأي، لقد تعرضت العلاقة الأخوية والصداقة والجيرة بين أفراد الدول المتجاورة، بل بين أفراد المجتمع الواحد إلى عداء مستميت وحقد دفين ونفوس محتقنة، لأن أصحاب هذه العلاقة يجهلون ثقافة الرأي والرأي الآخر، والتي تقوم على احترام الإنسان أي فكرة مخالفة لفكرته، والاستماع إليها ومناقشتها بكل حياد وموضوعية ودون تحيز لرأي معين، وهذا الاحترام للرآي الآخر صفة حضارية تحث على الإبداع في طرح الأفكار المتنوعة والآراء المختلفة.
الرأي الآخر هو صحيح بكل المقاييس من منظور صاحبه وإن كان يخالف رأينا، وهذا الاختلاف أمر صحي ومفيد طالما لا يتعدى الخطوط الحمراء والمساس بالمسلمات والثوابت سواء الدينية أو الأعراف.
عندما نرفع شعار " الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية" نهدف إلى المحافظة على العلاقة الإنسانية بين الأطراف المتحاورة، وعدم انحدار النقاش من التحاور إلى التناحر، والعمل على الوصول لنقطة اتفاق وأرضية مشتركة لبناء وسطية في الرأي تعمل على توازن الاختلاف فيه، وتقرب وجهات النظر، وتقلص مساحة الخلاف.
إن قمع رأي الآخر بحجة المخالفة يولد احتقانا في البيئة الواحدة ويؤدي إلى نفور الأفراد فيها من بعضهم، وبالتالي إيجاد كمية من المشاعر السلبية من أحقاد وضغائن وتصادم بين الناس.
علما أن وجود الرأي المخالف يخدم نقطة أو موضوعا مستقبليا تعجز بصيرتنا القاصرة عن رؤيتها في الوقت الحالي، ويعتبر ذلك الرأي الأفضل والأصلح في بعض المواضع والمواضيع، لذلك رفضه التام غير مقبول ومحاربته جريمة شنعاء في حق فرد يمثل عنصرا فعالا في مجتمع قرر أغلبية أفراده الركون إلى الصمت أو التزام ظل التبعية، متخليا عن تفعيل دور العقل وإنتاج الأفكار التي تخدم الأمة بأي شكل من الأشكال، والتي هي خطوط ورسوم لقاعدة أساسية ملزمة في الحياة في يوم ما.
إن احترام الرأي الآخر ومحاولة الوصول إلى حلول وسطية من شأنه أن يرفع قيمة النقاش ويحقق الأهداف التي تؤدي إلى تطوير جوانب كثيرة في المجتمع، وحيث أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية بحاجة ماسة لغربلة الكثير من الأفكار المسمومة والمطروحة في ساحاتها الفكرية، والتي تسعى لتلويث الفكر الإسلامي السمح.
قال تعالى:" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا" (الأحزاب 21)، وها هو النبي صلى الله عليه وسلم أسوتنا وقدوتنا في احترام الرأي الآخر، فقد روي البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه:" لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"، فخرج الصحابة رضوان الله عليهم من المدينة إلى بني قريظة وحان وقت صلاة العصر، فاختلفوا في ذلك؛ فمنهم من قال: لا نصلي إلا في بني قريظة ولو غابت الشمس لأنه صلى الله عليه وسلم قال:" لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"، فنقول: سمعنا وأطعنا، ومنهم من قال: إن الحبيب صلى الله عليه وسلم أراد بذلك المبادرة والإسراع إلى الخروج، وإذا حان الوقت صلينا الصلاة لوقتها. بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعنف أحدا منهم، أو يوبخه على ما فهم.
هذه الحادثة تترك في نفوسنا أثرا عميقا نحو قضية قبول الاختلاف مع الآخر واحترام رأيه، وتحثنا على المرونة والإيجابية تجاه الرأي الآخر، فاحترام الأفكار المختلفة مؤشر جيد على نضج وتحضر ووعي المجتمع.