كانت صحيفة "المقطم" (1889 – 1952م) التي صدرت بمصر إبان الاحتلال الإنجليزي؛ هي لسان حال المعتمد البريطاني الذي يحكم مصر.
وعن أصحاب هذه الصحيفة وكتابها قال المجاهد المجدد عبد الله النديم (1261 - 1313 هـ، 1845 - 1896م) في مجلة "الأستاذ": "إنهم لا شرقيون ولا غربيون، اتخذتهم أوروبا وسائل لتنفيذ آرائها، وصولا إلى مقاصدها من الشرق، وهي تحثهم على المثابرة على عملهم باسم المدنية، وإن صحيفتهم هي صحيفة إنجليزية ناطقة بالعربية "!
وفي هذه الصحيفة، كتب عدد من المسيحيين الشوام، منهم حنا الطرابلسي وميشيل حكيم، في عامي 1898م و1899م، مقالات تدعو إلى العلمانية وفصل الدين والشريعة عن رابطة الجامعة الإسلامية - السياسية - كما فصلت أوروبا واليابان الدين عن الدولة والسياسة.
وفي الرد على هذه الدعوة، وإيضاح الفروق الجوهرية بين الإسلام والمسيحية، كتب الشيخ محمد رشيد رضا (1282 - 1354 هـ، 1865 - 1935م) في "المنار" في أيلول/ سبتمبر 1899م يقول: "إن الدين الإسلامي جامع لمصالح المعاش والمعاد، ومبني على أساس السلطتين الزمنية والروحية، وإن الديانة النصرانية على خلاف ذلك، وإن الخليفة هو رئيس المسلمين القائم على مصالحهم الدينية والدنيوية، وإن كل حكومة تخرج عن طاعة الله و الشرعية فهي منحرفة عن صراط الإسلام، وإن القول بفصل الحكومة والدولة عن الدين هو قول بوجوب محو السلطة الإسلامية من الكون ونسخ الشريعة الإسلامية من الوجود، وخضوع المسلمين إلى من ليس على صراط دينهم ممن يسمونهم فاسقين وظالمين وكافرين، "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" (المائدة 44)، "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون" (المائدة 45)، "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون" (المائدة 47) .
ونحن نقول للذين يدعوننا إلى فصل الدين عن الدولة والتفريق بين السلطة والخلافة، إن كنتم تدعوننا هذه الدعوة جاهلين بمعنى هذه الألفاظ عندنا، فها نحن أولاء قد بيناها لكم، فارجعوا عن دعوتكم، فقد علمتم أن قياس الإسلام على النصرانية قياس مع الفارق، فإن فصل السلطة الروحية عن السلطة الزمنية هو أصل النصرانية، وقد كان رؤساء الدين في أوروبا تعدوا الحدود، وتسلقوا عروش السلاطين والملوك، مخالفين لصاحب الدين المسيح عليه الصلاة والسلام .
فلا بدع إذا ترقى الدين في أوروبا الحديثة بانصراف رؤسائه إلى خدمته، وتركهم الاشتغال بما ليس منه في شيء.
ونحن والنصارى في هذا الأمر على طرفي نقيض، فإننا إذا تلونا تلوهم فيه نكون قد تركنا نصف ديننا الذي هو السياج الحافظ للنصف الباقي.
إن الدين كله يكون بهذا العمل عرضة للاضمحلال ومهددا بالزوال، لا جرم أن ما تدعوننا إليه هو أقرب طريق لإعدام "الجامعة الإسلامية"، فكيف جعلتموه طريق إيجادها؟! وهو أقوى علل شقائها، فأنى تقنعوننا بأنه علة إسعادها؟" (انتهى النص)
هكذا بدأ الحوار بين "الإسلامية" و"العلمانية" على صفحات "المقطم" و"المنار" منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.