عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (صَلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ) رواه الترمذي وقال: هذا حديث صحيح، وفي رواية عنده أيضا: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (.. هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ).
(الإصلاح) بين الناس سُنّة جليلة حثّنا عليها النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، وعبادة عظيمة يحبها الله سبحانه وتعالى، فالمُصلح هو ذلك الذي يبذل جهده وماله وجاهه ليصلح بين المتخاصمين، ولا يخفى أنّ الخلاف أمر طبيعيٌّ بين البشر، لا يسلم منه أحد، فخيار البشر حصل بينهم الخلاف، فكيف بغيرهم!!
كم بيتٍ كاد أن يتهدّم بسبب خلاف سهل بين الزّوج وزوجه، وكاد الطّلاق أن يحدث، فإذا بهذا المُصلح بكلمة طيبة، ونصيحة غالية، ومال مبذول، يعيد المياه إلى مجاريها، ويصلح بينهما ليستمر البيت قائمًا.
وكم من شقاق أو قطيعة كادت أن تكون بين أخوين، أو صديقين، أو قريبين بسبب زلّة أو هفوة، وإذا بهذا المصلح يرقّع خرق الفتنة ويصلح بينهما.
كم عصم الله بالمصلحين من دماء وأموال، وفتن شيطانية كادت أن تشتعل، لولا فضل الله عزّ وجلّ ثم سعي المُصلحين.
ومهما قلنا من كلمات لإبراز قيمة هذا العمل في ميزان الله عز وجل فإنّنا لن نقدر، فقد رفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق درجة صيام النّافلة، وصلاة النّافلة، وصدقة النّافلة.
وتتحقَّق هذه السُّنَّة بالإصلاح بين رجلٍ وزوجته، أو بين أبٍ وابنه، أو بين أخ وأخيه، أو بين صديق في العمل وزميله، أو بين جارٍ وجاره؛ بل تتحقَّق بإصلاحٍ لمشادَّة في الطّريق بين اثنين لا تعرفهما.
وفي المقابل .. إذا أتانا المُصلح الذي يريد الإصلاح مع من نتخاصم معه أو مع من نزغ الشّيطان بيننا وبينه، فعلينا أن نفتح له أبوابنا وقلوبنا، وأن ندعو له ونشكره على سعيه في الإصلاح ورأب الصّدع، وإذا طلب منا طلباً أو طلب منا أن نتنازل عن شيء، فعلينا أن نُقبل إلى ذلك، ونقرّب المسافات، حتى تسهل مهمته، ليرضى ربّنا عنّا.
إنّ (الإصلاح) فيما بين النّاس هو الحافظ لديننا، كما أن الإفساد هو الذاهب بالدين، فعلينا أن نجتهد في (الإصلاح) ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وما أكثر الخصام بين الناس! وما أكثر المتخاصمين فيما بينهم! وهل ترك الشيطان أحداً من شره؟