استيقظت فزعة كمن لدغتها أفعى,هرعت إلى غرف الأبناء وبدأت بنزع الأغطية عن وجوههم بعنف قائلة: استيقظوا سوف تتأخرون عن موعد المدرسة ,سيفوتكم "الباص"....
توجهت إلى المطبخ لإعداد وجبة الإفطار فأحدثت جلبة كافية لإيقاظ سكان العمارة والشقق المجاورة..
رفع سعيد الغطاء عن وجهه قائلا: زوجة رائعة لولا الجلبة التي تحدثها كل صباح..
الأبناء: أم رائعة لولا الرعب التي تبثه في قلوبنا كل صباح...
الجيران: جارة رائعة لولا إصرارها على إيقاظنا على معزوفة أواني المطبخ كل صباح..
إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه.
يوم الإجازة
بعد صلاة الفجر أصوات الغسالة والمكنسة الكهربائية تصم الآذان, ورائحة المنظفات والمبيضات تخنق الأنفاس, وعاصفة الغبار والأتربة من أثر "التنفيض" تزكم الأنوف, وكل خزانات الملابس مفتحة أبوابها لإخراج ما يلزم غسله. ثم لابد من سحب غطاءات السرائر من تحتهم لغسلها أولا مع الملابس الفاتحة الألوان..
فتح سعيد عينيه ليراها واقفة أمامه وقد لفت شعرها بعصابة حمراء ,وشلالات من السائل البني تنحدر من صدغيها من أثر الحناء الذي طلت به شعرها,وقد غطت وجهها بقناع حماية أخضر - ذكّرته بالرجل الأخضر في أفلام الكرتون - وقد شمرت "جلابيتها" بعبقرية مصممي الأزياء بتعرجات عجيبة صنعت حول خصرها انتفاخات متراكمة..
قالت: ما هذا يا سعيد كان يجدر بك الاستيقاظ مبكرا لنمضي بعض الوقت معا.. ثم ولت وهي تتمتم. طوال الأسبوع عمل ويوم الإجازة يمضيه في النوم.. هذا ظلم!!
أغلق عينيه ودس رأسه تحت الوسادة: يا إلهي ما هذا الكابوس المرعب الذي يعاودني صباح كل جمعة؟!!
بعد الإفطار..
الصغار يلعبون ويشاغبون وسعيد جالس على الأريكة مقابل التلفاز وبيده "الريموت" يتابع برامج الأخبار والرياضة وهي لا تزال تذرع البيت جيئة وذهابا تلمّع التحف, وتتناول كرسيا لتصعد فوقه لتلميع الثريات: يا له من يوم إجازة.. شقاء لا ينقطع.. اسكتوا ياأولاد.. لا أدري لماذا لا يكون يوم الجمعة يوم دراسة؟! سعيد: أحضر لنا غداء جاهزا لا وقت لدي للطبخ..
على وجبة الغداء..
هذا المطعم الذي جلبت منه الطعام سيّئ.. إنهم لا يجيدون طهو السمك.. ألا تعرف مطعما غيره؟
حسنا.. لا فرق المهم أني ارتحت من تحضير طعام الغداء..
سعيد مغتاظ لكن ماذا يقول؟
قالت: سعيد.. لو سمحت تأخذ الأولاد في نزهة بعد العصر لأنه ستأتي صديقاتي لزيارتي.. لكن قبل ذلك أريد بعض الحلوى وبيتزا للضيافة..
ولم يملك إلا أن يهز رأسه بالموافقة.
بعد العصر..
كانت ترفل في أبهى حلة ورائحة البخور تعبق في البيت.. دخل سعيد بكيس البيتزا والحلوى.. وعندما هم بالجلوس بادرته: لا.. لا تجلس فإن صديقاتي سيأتين بين لحظة وأخرى, قام متلكئا وهو يتنسم تلك الروائح الزكية ويتأمل جمالها الأخاذ وزينتها الفاتنة..
في المساء..
فتحت له وللأولاد الباب.. صعق سعيد من منظرها بالجلابية ذات التعرجات العجيبة وهي مشمرة ساعديها ممسكة بالمكنسة مرة أخرى, منهمكة بتنظيف البيت من أثر الزيارة..
أخذ نفسا عميقا محاولا استرجاع ذكرى تلك الروائح العطرة وتلك الزينة الفاتنة والحلة البهية. لكن دون جدوى فجذوة الغضب التي اشتعلت في داخله أحرقت كل أثر لها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ