الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دعاة يستحقون المساعدة

دعاة يستحقون المساعدة

دعاة يستحقون المساعدة

الذي يغلب على ظننا حين نتحدث عن الداعية أنه الإنسان العالم بدينه، ولا سيما المتخرج في مؤسسات العلوم الشرعية.

ولا جدال في أن الداعية العالم هو الداعية الحق الذي لا غَناء للناس عنه؛ وذلك لأن هذا الدين دين قائم على علم ذي مصدر إلهي، لا على آراء البشر وأفكارهم وتخرصاتهم؛ فلا يكون ما يدعو إليه الداعية إسلاماً إلا إذا كان مستنداً إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. هذا، ولأن الناس يتوقعون من الداعية أن يُعلّمهم العقيدة الصحيحة، وأن يفتيهم في الفروع الفقهية، وأن يدربهم على تقويم الأشياء بقيم الإسلام، وأن يعظهم المواعظ المرققة للقلوب، وهكذا، وكل هذا لا يتأتى إلا بالعلم، وإن كان لا يتأتى بالعلم وحده.

لكن من الخطأ الشائع الظن بأن دعوة الله - تعالى - لا يُبلّغها إلا هذا النوع من الدعاة العلماء الذين نالوا حظاً من كل علم من العلوم الشرعية. وإنه لخطأ عظيم أن تُحصَر الدعوة إلى الله تعالى في قلة من المختصين، وأن يعتقد غيرهم من المسلمين أنه لا حق لهم في نيل شيء من هذا الشرف العظيم، وإن كانوا من أحسن المثقفين.

إن هذا التصور الغالط للدعاة كان من أسباب عدم انتشار العلم انتشاراً واسعاً بين جماهير الناس، وكان أيضاً من أسباب عدم وصول دعوة الإسلام إلى السواد الأعظم من غير المسلمين، وذلك لأن عدد العلماء المختصين لا يمكن أن يَسَعُوا بدعوتهم خَلْق الله أجمعين.

لكن الحق أن الدعوة إلى الله شرف عظيم، قمين بكل مسلم أن يحرص على نيل نصيبه منه، كيف لا؛ والله - تعالى - يقول: [مَا يُقَالُ لَكَ إلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ] [فصلت:43]، والرسول - صلى الله عليه وسلم- يقول: (بلغوا عني ولو آية)؟!

إن المهم في الداعية - عالماً مختصاً كان أو غير مختص - أن لا يدخل فيما لا يعلم؛ بل عليه أن يبلغ الآية أو الحديث الذي يعلم، فإذا سئل عما لا يعلم لم يتردد في أن يقول: لا أعلم، وأحال السائل إلى من يظن أنه يعلم.

إن المسلم بفهمه لمعنى كلمة التوحيد قد نال نصيباً من الخير الذي ذكره الرسول - صلى الله عليه وسلم- في قوله: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) [رواه مسلم]. وهذا أمر ينبغي أن يكون بدهياً؛ لأن الذي لا خير فيه لا يدخل الجنة، فما دام كل مؤمن موعوداً بدخول الجنة فلا بد أن يكون في قلبه ولو ذرة من خير. وإذا كان في قلبه خير ففيه فقه؛ لأن الأمرين متلازمان. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: (فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه) [رواه مسلم] يعني من النار.

وإذا كان بعض الناس قد قصّر في هذا الأمر، وظن أن أمر الدعوة لا يعنيه فإن آخرين كثراً قد بَلوا بلاء حسناً في الدعوة إلى الله رغم قلة بضاعتهم في العلوم الشرعية. فمن هؤلاء أناس اهتموا بالرد على المذاهب المخالفة للإسلام من شيوعية ومادية ورأسمالية. وهذه - بلا شك - ثغرة كانت تحتاج إلى من يقف عليها.

لكنني مهتم اليوم بنوع آخر من الدعاة عرفتهم بالولايات المتحدة، هم الذين أدعو إلى الاهتمام بهم وعونهم. أعرف من هؤلاء رجلاً لم يهتد إلى الإسلام إلا قبل سنتين أو ثلاث، وهو لا يعرف اللغة العربية، فبضاعته في العلوم الشرعية مزجاة، لكن إيمانه - فيما نحسب - أكثر من علمه بكثير. إن عينيه لا تكادان تجفان حين يكون في مجلس علم؛ بل إن كلماته البسيطة المفعمة باليقين لتفيض لها أدمع الحاضرين. هذا الرجل من أنجح من عرفت من الدعاة. إن المهتدين عن طريقه هم بمعدل اثنين أو ثلاثة في كل أسبوع !

حدثني أحد إخواننا من الشباب السودانيين المتعاونين معه أنه يأخذهم ويسير بهم في الطرقات، فكلما لقي شخصاً ظن أنه يمكن أن يهتدي سأله قائلاً: يا أخي هل تريد الدخول في الإسلام ؟ فبعضهم لا يجيب وبعضهم يقف ويستمع، وبعضهم يقف ليجادل؛ لكنه يقول للمتعاونين معه: لا تضيعوا وقتكم مع هؤلاء المجادلين؛ فإن البلد مليء بالراغبين في الدخول في الإسلام. يتكلمون هكذا مع العشرات من الناس فيستجيب لهم بالدخول فيه من أولئك الاثنان أو الثلاثة في كل أسبوع.

ماذا يفعل بالمستجيبين؟ إنه يوجههم إلى المساجد وحلقات العلم والجماعات الإسلامية؛ لكي يزدادوا علماً؛ لكنه يرى أنهم بحاجة إلى عناية خاصة، ويود أن لو كان له من الإمكانات المادية ما يعينه على استئجار أو شراء دار يتجمعون فيها، وعلى طباعة نشرات صغيرة خاصة يوزعها عليهم، وهكذا....

فحبذا لو أن إخواننا المحسنين المهتمين بأمر الدعوة أفراداً كانوا أو جماعات خيرية أو مؤسسات رسمية شملوا أمثال هؤلاء في مفهومهم للدعاة، وأعانوهم إعانات فردية تمكنهم من التفرغ لمثل هذا العمل العظيم، وإعانات جماعية لإنشاء الدور والمساجد الصغيرة، وإصدار النشرات وشراء الكتب.

إن أمثال هؤلاء الدعاة كثيراً ما يكونون أنجح من أمثالنا - نحن الغرباء - في هداية قومهم إلى الإسلام، حتى لو كنا نتحدث لغتهم ونعلم أكثر منهم. إن مهمتنا كثيراً ما تأتي بعد مهمتهم، أعني أن نتولى تعليم من سبق له أن اهتدى بهداية الله تعالى.

أرجو من إخواننا المهتمين بأمر الدعوة أن لا يغتروا بالأسماء اللامعة والجماعات المشهورة، فيظنوا أنها هي وحدها الجديرة بالمساعدة؛ مع أن بعضها لا يمكن أن يُعَدّ إلا من الفِرَقِ الضالة؛ بل وإن بعضها لمن الكافرة.

لكن بالولايات المتحدة الآن عشرات من الجماعات الصغيرة، ومئات من الأفراد الذين اطمأنوا إلى منهج أهل السنة والجماعة. فهم راغبون في أن يزدادوا به علماً، حريصون على دعوة إخوانهم إليه، فلنبادر بمساعدتهم والتعاون معهم وشد أزرهم، راجين من الله - تعالى - حسن الثواب.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

خواطـر دعوية

فأما اليتيم فلا تقهر

إن مظلة العدالة في الإسلام تحمي الضعاف، وتحنو على الصغار وتحفظ حقوقهم وتنظم علاقاتهم فلا يستذل فيها ضعيف لضعفه،...المزيد