من الشبه المثارة حول نبينا صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة ، أنه تأثر بالأحبار من اليهود، والرهبان من النصارى ؛ مثل بحيرى الراهب ، وورقة بن نوفل ، وأنه جالسهم فترة زمنية ، وتلقى عنهم ، وقد أثار هذه الشبهة وروج لها المستشرقون أمثال : بروكلمان ، وفيليب حتى ، وجولد زيهر الذي يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم تتلمذ على رهبان النصارى وأحبار اليهود الذين كانوا أساتذة له .
والإجابة على هذه الشبهة يكون من خلال الأمور التالية :
1-لو حصل ذلك لنُقل إلينا من قبل أتباعه صلى الله عليه وسلم ، الذين لم يغفلوا شيئاً من أخباره .
2-لو صح ذلك لاتخذه أعداؤه من المشركين حجة لهم ، بهدف الطعن فيه ، وهم الذين تعلقوا بأوهى التهم كزعمهم أنه تعلم من رومي حداد أعجمي ، فرد عليهم القرآن الكريم ، قال تعالى : { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} (النحل:103) .
3-أن النبي صلى الله عليه وسلم أميٌّ لا يقرأ ولا يكتب ، ولم يثبت أنه رأى التوراة والانجيل أو قرأ فيهما أو نقل منهما .
4-أن القرآن الكريم فضح اليهود والنصارى ، وهتك أستارهم ، وذمهم ، كما في قوله تعالى : { يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا } (النساء:171) ، ولو كانوا معلِّمين للرسول لمدحهم القرآن ، وأثنى عليهم .
5-أن أحكام الشريعة الإسلامية كانت تتنزَّل متدرجة حسب الحوادث ، والوقائع ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتوقف في الحكم على بعض الأمور حتى ينزل الوحي عليه ، مما يدل على أنه ليس لديه علم سابق ، ولم يسأل أهل الكتاب .
6-ومما يُرد به على هذه الشبهة كذلك وجود اختلاف مع أهل الكتاب في كثيرٍ من الأحكام ، بل إن مخالفتهم مقصدٌ شرعي حث الشرع عليه في نصوص كثيرة؛ من ذلك ما جاء في الحديث الصحيح : (خالفوا اليهود والنصارى ،فإنهم لا يصلون في خفافهم ، ولا في نعالهم ) رواه ابن حبان و أبو داود وصححه الألباني .
7-ما حصل من توافق في بعض الأحكام لا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ منهم ، وتعلم على أيديهم ، وإنما لكون اليهودية والنصرانية أصلهما صحيح يتفق مع أصول الإسلام ، لولا ما اعتراهما من تحريفٍ وتغيير وتبديل .
8-لم يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى بأحد من الأحبار والرهبان غير ورقة بن نوفل ، وبحيرى الراهب، وكان اللقاء مرة واحدة بالنسبة لورقة ، ومرتين بالنسبة لبحيرى، وذلك لا يكفي للتلقي عنهم، إضافة إلى أن ورقة توفي بعد اللقاء بثلاث سنوات ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجهر بدعوته بعد، أما اللقاء ببحيرى فكان في المرة الأولى أثناء دعوة طعام عندما كان مع عمه أبي طالب، والكل كان منشغلاً بالحديث والطعام، لا مجال للتعلم والتلقي، فضلاً عن صغر سن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان في الثانية عشر من عمره، وفي المرة الثانية كان النبي صلى الله عليه وسلم منشغلاً بالتجارة لخديجة ، ولم يُنقل شئ من أخبار التلقي حتى بعد رجوع القوم إلى مكة.
أما ادعاؤهم أخذه عن الحاشية اليهودية والمسيحية المسلمة، فهذا محض افتراء مردود، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يلتق بهم إلا بعد الهجرة ودخولهم في الإسلام، فالتقى بهم تابعين له آخذين عنه متعلمين منه، مؤمنين مصدقين غير مكذبين .
9-وقد تنبه لبطلان هذه الشبهة بعض المفكرين الغربيين أمثال الفرنسي "الكونت هنري دي كاستري"حيث قال : "ولقد يستحيل أن يكون هذا الاعتقاد وصل إلى النبي محمد من مطالعة التوراة والإنجيل" .
ويقول المستشرق دوزي : "أما أواسط بلاد العرب ، وفي قلب جزيرتهم ...فلم تنجح فيه الدعاية للدين المسيحي " .
وهكذا أخي الزائر نرى أن هذه الشبهة مردودة على أصحابها ، وأن الحقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وأن ما يثيره هؤلاء الحاقدون إنما القصد منه إبعاد الناس عن قبول الحق واتباعه ، وأنّى لهم ذلك ، فالحق له نوره الوهّاج الذي يبدد الظلمات من طريقه، قال تعالى: { يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون } (التوبة:32) .