الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رجل الفطرة

رجل الفطرة

يـرجـع الـداعــيـة - في بـحـثـه الدؤوب عن أصحاب الفطر السليمة الذين لا يحملون بين جوانحهم عوامل الضعف والهزيمة النفسية - إلى سيرة مُعلِّم الخير محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ليستلهم منها معالم تنير له الطريق.

ومن الدروس المستفادة من السيرة النـبـوية أن الله سبحانه وتعالى بعث أكرم خلقه من بيئة لا هـي بالحـضـريـة المـدنـيـة المـغـرقـة في الترف وفنون النعيم والملذات ، ولا هي بالبدوية الـجـافـيـة البعيدة عن التمدن والعمل المشترك ، فالأسر القرشية لم تصل بعد إلى تعقيدات المـدنـية، ولـم تـأسـرهـا الـشـكـلـيـات والمظاهر، ولا يـزال شـبـاب قـريش يألفون الخشونة والفروسية، رغم عيشهم في بيئة تجارية مبتعدين عن خلق المذلة والمراوغة التي يألفها من استحكمت فيه عوائد الترف ، أو عاش تحت قهر الاستبداد والبحث عن لقمة العيش في بيئة مادية لا رحمة فيها ولا شفقة.

ولا نعني من هذا أنه لا بد من العيش في قرى أو مدن صغيرة - كمكة عند البعثة - ، فهذه سطحية في التفكير وسذاجة ، ولكن المقصود هو: العيش في أجواء الفطرة السليمة ، أجواء التخفف من القيود التي تكبل المسلم عن الانطلاق في دعوته ، هذه القيود التي لم يأت بها شرع ولا حكم بها عقل ، ولكن دواعي الانحطاط هي التي تهتف بها.

فالدعوة لا يتم أمرها ولا يقوى عودها إلا برجال تعودوا الخشونة ، تتجافى جنوبهم عن الانغماس في النعيم ، كلما سمعوا هيعة طاروا إليها.

والرجل الذي عاش حياته راضياً بالقليل ، بل خائفاً من ذهاب هذا القليل ، عاش يسمع وصايا والدته تحذره وتخوفه من أي عمل عدا العمل الذي سيعيش منه ، هذا الرجل قد انغرس في نفسه الضعف ، وأصبح بعيداً جداً عن المغامرة وركوب المصاعب ، فهو دائماً يخاف من المجهول ، يخاف من المستقبل ، يفكر دائماً في الاحتياطات اللازمة لتدبير (العيش).

هذا الرجل الذي يحمل أتعاب مدينة مرت عليها قرون وهي تعيش تحت قهر كل متغلب، وتألف كل قادم، هو لا شك يشعر بضآلة نفسه وقصور همته، ولا يسمح لتفكيره بأن يخطر له ذكر الأعمال الكبيرة والمشروعات العظيمة، بل إذا حمل فكرة قوية يمسخها إلى (نصف) فـكـرةٍ يـؤوِّلـهـا حـتـى تـتمـشى مع ضعفه وانحطاطه، فهو دائماً في منتصف طريق ونصف نهضة، لا هو بالبادئ، ولا هو بالمنتهي ، فإذا تعلم ودرس أصبح نصف دارس أو نصف طبيب ، وإذا كان موظفاً يحس أنه جزء صغير من آلة ضخمة ، فمثل هذا لا يساعد على التحفز لعمل كبير ، فهو رجل (الحد الأدنى).

ونحن نريد رجل الفطرة الذي يملك حيوية الاندفاع والتضحية ، فيه بساطة وسموّ، فإذا عقل الإسلام وفقهه فقد جمع (نوراً على نور) ، وهذا هو الرجل المؤهل للتغيير.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

خواطـر دعوية

فأما اليتيم فلا تقهر

إن مظلة العدالة في الإسلام تحمي الضعاف، وتحنو على الصغار وتحفظ حقوقهم وتنظم علاقاتهم فلا يستذل فيها ضعيف لضعفه،...المزيد